إنشاء مدينة المهدية:
يعتبر إنشاء مدينة المهدية أول عمل معماري ضخم تقدم عليه الدولة الفاطمية بإفريقيا، ويأتي إنشاء هذه المدينة في إطار ظاهرة عامة سادت أغلب الدول الناشئة في العصور القديمة والعصور الوسطى، فقد جرت العادة أن تقوم الدولة الناشئة مدينة جديدة تتخذها عاصمة لها، وأمثلة ذلك كثيرة، فقد أنشأ الإمبراطور قسطنطين وهو إمبراطور الدولة الرومانية الشرقية مدينة القسطنطينية بعيداً عن شعب السانتو بأثينا والاتجاه نحو الشرق، وفي العصر الإسلامي أنشئت بغداد عاصمة للدولة العباسية والقطائع عاصمة للدولة الطولونية، وعلى نفس النهج سارع الإمام عبيد الله المهدي بالتفكير في إنشاء عاصمته لدولته.
كما يبدأ إنشاء المدينة باختيار موقعها وتحديد موضعها، وقام الإمام عبيد الله المهدي بنفسه في سنة ثلاثمائة إلى مدينة تونس فاجتاز إلى قرطاجنة وعبرها ومر جميع السواحل يرتاد موضعاً على ساحل البحر يتخذ فيه مدينة تحصنه وتحصن بنيه من بعده، وقد كان عنده علم بقيام قائم على ذريته، فلم يجد موضعاً أحسن ولا أحصن مو موضع المهدية فبناها هنالك وجعلها دار مملكته.
خصائص مدينة المهدية:
توضح رواية التيجاني توجهاً في اختيار موضع المدينة، حيث إنه حرص على أن يكون على ساحل البحر، وهو توجه لم يكن مرغوباً في اختيار مواضع المدن في الفترة الأولى من تاريخ الدولة الإسلامية، ولا أدل على ذلك من اختيار مواضع مدن الأمصار كالبصرة والكوفة والفسطاط والقيروان؛ لعدم توفر القوة البحرية اللازمة للدفاع عن هذه المدن.
ولمناسبة هذه المواضيع البرية والداخلية لطبيعة الجيوش العربية التي ألفت حياة الصحراء، وتوجه عبيد الله المهدي إلى اختيار موضع ساحلي لمدينته يؤكد تغير هذه المفاهيم السابقة التي حكمت اختيار مواضع مدن الأمصار، خاصة أنه توفرت لمنشئتها القوة اللازمة للدفاع عنها من جهة البحر.
ومع توفر هذه القوة استطاع أن يستفيد من مميزات الموقع الساحلي، تلك المميزات التي تكمن في زيادة تحصين الموضع بإحاطة الماء له من ثلاث جهات، حيث إن موضع المدينة أخذ شكل لسان ممتد في البحر ويرتبط بالبر من الجهة الغربية، والميزة الثانية هي سهولة ارتباط هذه المدينة بالطرق البحرية بالإضافة إلى الطرق البرية، وهي ميزة لا تتوفر للمدن الداخلية.