ترك لنا كثير من المؤرخين والجغرافيين والرحالة العرب الأوائل الذين زاروا طرابلس مشاهدتهم ونصوصهم عن النشاط المعماري لهذه المدينة، فاليعقوبي وابن حوقل والمقدسي جميعهم يوردون نصوصاً قصيرة لا تساعدنا على تكوين فكرة دقيقة عن المعمار الديني لمدينة طرابلس.
فابن حوقل يشير إلى أن طرابلس كان بها رباطات كثيرة، والتي لا تعني فقط تلك الأبنية المحصنة ذات الطابع الديني أو العسكري، بل أيضاً الزوايا التي يعيش فيها رجال الدين والصوفيون الذي ينقطعون عن العالم الخارجي للعبادة والزهد، هذا المعنى يمكن تأكيده من نص البكري الذي يصف فيه طرابلس حيث يقول:
“طرابلس تقع على الساحل وتحيطها أسوار كبيرة وجامعها حسن البناء وتحتوي على أسواق عامرة وحمامات ممتازة، وفي طرابلس مسجد يسمى بمسجد الشعاب وهناك رباطات كثيرة أكثرها نشاطاً وشهرة مسجد الشعاب”.
الخلفية المعمارية لمنطقة طرابلس الغرب قبل الفترة العثمانية:
إن أدق وأطول وأشمل النصوص التي كتبت عن العمارة الدينية لمنطقة طرابلس الغرب في هذه الفترة هي ما دونه أبو محمد عبد الله بن أحمد التجاني، الذي زار هذه المنطقة ما بين سنة 1306 و1308.
ولإعطاء خلفية شاملة عن العمارة في ليبيا في الفترة السابقة للعهد العثماني، كان من الضروري أن نضمن وجود بعض الأمثلة من المساجد والجوامع المدارس، التي شيدت في تونس في هذه الفترة؛ وذلك لأن تونس القطر المجاور لما وإنتاجه المعماري الديني، حيث يمكن أن نأخذه للمقارنة بينها وبين ليبيا لكونها تمثل مصدراً للتأثير خاصة وإن إقليمي طرابلس الغرب وتونس كانا خاضعين للحكم الأغلبي.
هكذا يتضح أن ليبيا غالباً كانت قبل العهد العثماني في المدار السياسي لحكام من المغرب الإسلامي، ولذلك فإن أي أثر على تطور المسجد قبل الفترة العثمانية تكون توتس مصدره، عليه فإن دراسة لبعض المساجد المؤرخة التي ما زالت باقية ستكون نماذج طيبة ومثالية للمقارنة فيما يخص طرق بنائها وتخطيطاتها ونظام تسقيفها.
وهكذا نرى أن دراسة محدودة لبعض المساجد التي تعود للفترات السابقة للفترة العثمانية تكون ضرورية لفهم أشمل وأعم لتطور المسجد من الجانب الفني والمعماري في كلا القطرين.