وصف مسجد البيعة بمنى:
أمر بإنشاء هذا المسجد المبارك الخليفة العباسي الثاني أبي جعفر سنة 144 هجري/ 761 ميلادي، كما يستدل من النقش الإنشائي له، ورغم أن الأزرقي ذكر هذا المسجد إلا أنه لم يذكر شيئاً عن عمارته في عهد أبي جعفر، وقد وصفه الفاسي بقوله (وصفة هذا المسجد رواقان كل منهما مسقوف بثلاث قبب على أربعة عقود وخلفها رحبة وله بابان في الجهة الشمالية وبابان في الجهة اليمانية وأكثر هذا المسجد الآن متخرب).
ويتضح ذلك من الوصف أن المسجد كان تخطيطه عبارة رحبة (صحن أوسط) ومقدم جهة القبلة ومؤخر يقابله، ويشتمل القدم على رواقين كل منهما مسقوف بثلاث قباب على أربعة عقود، ومن المرجح أن مصطلح العقود الأربعة يقصد به الإشارة إلى أن قباب المسجد كانت ضحلة (غير عميقة) وأنها مقامة على مثلثات كروية بواقع أربع مثلثات بكل ركن من أركان القباب الثلاث، وهذا المصطلح ورد كثيراً سواء بهذه الصغية أو بصيغة عقود مقالية في وثائق الوقف المختلفة فضلاً عن بعض المصادر التاريخية.
وعلى ضوء هذا التفسير نستطيع القول أن المقدمة كانت عبارة عن مساحة مستطيلة قسمت إلى رواقين متقاطعين بواسطة بائكتين، الأولى منها تشرف على الصحن الأوسط (الرحبة)، وتتكون كل بائكة من ثلاثة عقود موازية لجدار القبلة ترتكز على عمودين أو عامتين في الوسط وعلى الجدار الجانبيين، وينطلق من نفس العمودين أو الدعامتين عقدان عموديان على جدار القبلة، وبهذه الطريقة تم إيجاد ثلاثة مربعات لكل رواق غطيب بالقباب الثلاث المشار إليهما.
ومما له دلالته في هذا الصدد أن هناك نماذج كثيرة صممت وفق هذا النمط في العمارة الإسلامية بصفة عامة، وترجع أقدم نماذجها الباقية إلى النصف الاول من القرن 7 هجري/ 13 ميلادي، أما مؤخر المسجد فكان لا يشتمل على أروقة واكتفى المعمار بفتح بابين فيه على غرار مثلهما في الجهة المقابلة، وعلى ضوء ذلك فإنه من المرجح أن هذا الوصف الذي ذكره الفاسي إنما يرجع إلى عمارة المسجد في عهد الخليفة العباسي المستنصر سنة 629 ميلادي.
كما يستدل من النقش الإنشائي الذي أشار إليه الفاسي بقوله (وعمره أيضاً المستنصر العباسي على وجدته مكتوباً في حجر ملقى حول هذا المسجد لتخربه وفيه أن ذلك في سنة تسع وعشرين وستمائة).