الفكر الجغرافي وتطوره

اقرأ في هذا المقال


ما هو الفكر الجغرافي وتطوره؟

بدأت رغبة الإنسان في معرفة بيئته وإمكاناتها منذ أن خلقه الله على سطح الأرض، حيث يرجع الفضل في ذلك إلى أن للإنسان حاجات مهمة، لا بد أن يسعى من أجل توفيرها كالمشرب والمأكل والمأوى والملبس، وهذه أمور تتطلب منه معرفة المكان الذي يعيش فيه، فالذهاب إلى مكان محدد والعودة منه أمران يتطلبان من الإنسان أن يعرف العلاقات المكانية التى تساعده على الحركة وأن يكون على بينة بكل شيء حوله، حيث أن العلاقات المكانية جزء من علم الجغرافيا.
ولم يقف الإنسان في العصور القديمة عند حد التعرف على البيئة، بل حاول أن يُفسر وجود الظاهرات الطبيعية التي تكون محاطه به وتنتشر حوله، ولكن هذه التفسيرات اعتمدت على الخيال في بعض الأحيان، فجاء بعضها نوعاً من الخرافات والاعتقادات الغريبة، ويمكن القول دون أن نبالغ بأن نوعاً من المعرفة، الملاحظات، التأملات الجغرافية، حيث بدأت مع وجود الإنسان على سطح الأرض ولازمته في رحلة حياته خلال قرون طويلة.
إلى جانب ذلك فإن التفكير الجغرافي منذ أقدم العصور قائم على مبدأين أساسين؛ الأول يتعلق بالفلك والأجرام السماوية التي لاحظها الإنسان واستدل بها خلال سفره فكانت وكأنها أول بوصلة استعان بها في حياته، في حين أن المبدأ الثاني هو إدراك العلاقات المكانية التي ساعدت على الكشف الجغرافي، ولقد بقيت هاتان الدعامتان أصل الفكر الجغرافي منذ أقدم العصور لغاية بداية العصور الحديثة، حينما بدأت آفاق المعرفة الجغرافية بالاتساع وامتدت أجزائها لتضم مجالات جديدة.
وكلمة جغرافيا التى نستخدمها حالياً هي عبارة عن كلمة إغريقية تعرف (بوصف الأرض) إذ أن (geo) هي أرضاً، و (graphy) هي (وصفاً)، كما يعد بطليموس (75م-153م) أول من قام باستخدام كلمة (جغرافيا) عنواناً لأحد مؤلفاته، وهو كتاب المرشد أو المدخل إلى الجغرافيا.
كما تجمع قواميس اللغة ومعاجمها على اختلافها بأن الجغرافيا هي العلم الذي يختص بدراسة سطح الأرض، لكن هذا التعريف الذي يكون تفسيراً لدلالة لفظ (الجغرافيا)، لم يكون الجغرافيين راضيين عنه منذ القرن التاسع عشر الميلادي، حيث قام رتر (Ritter) الجغرافي الألماني المشهور آنذاك بالاعتراض على أن هذا التعريف (وصف الأرض) وقال: إنه تعريف خاطئ وغير واضح، وأضاف بأن الجغرافيا هي (دراسة العلاقة بين كل الظاهرات الطبيعية والجنس البشري).
ومنذ أن قاموا بالاعتراض على تعريف وصف الأرض، فُتحت الطريق أمام تعريفات كثيرة لكنها بشكل عام تدور حول مفهوم يتمثل في أن علم الجغرافيا يسرع جاهداً من أجل توضيح العلاقة بين الإنسان وبيئته التي تكون محاطة به، وتوضيح كمية التفاعل الذي ينتج عن هذه العلاقات، وذلك في نطاق الأبعاد والاختلافات المكانية، ومن أمثلة التعريفات المتباينة لعلم الجغرافيا تعريف العالم مارث (Marthe) الذي يوضح فيه: بأن الجغرافيا هي أينية الأشياء (Geography is the where of things).
ومن التعريفات التى لاقت اهتماماً كبيراً بين الجغرافيين لوقت طويل تعريف ريتشارد هارتشورن في عام 1939م حيث ذكر فيه أن الجغرافيا هي (دراسة الأماكن المختلفة)، إلى أن هذا التعريف تعرض للعديد من الانتقادات كان من أهمها أن هذه الاختلافات المكانية لا تكون واضحة أبعادها إلا بعد دراسة الأماكن ككل، وهكذا فإن الجغرافيا لا تدرس الاختلافات المكانية وتتوقف على دراستها، ولكنها تتوصل إلى معرفة هذه الاختلافات وطبيعتها، وذلك يكون عن طريق الملاحظة والتحليل والتعليل.
لقد كثرت الدراسات التى تحاول تحديد مفهوم الجغرافيا، حيث أنها تتراكم لغاية الآن، إلا أنها لم تتفق على مفهوم واحد يحدد مجال هذا العلم وطبيعته تحديداً واضحاً، حيث يرجع ذلك من دون شك إلى التوسع في مجال الدراسة الجغرافية ونمو هذا المجال بشكل مستمر، ومع كل ما ذكر مع صعوبات واختلافات حول تعريف علم الجغرافيا إلا أننا نكون قادرين أن نضع للجغرافيا تعريفاً في ظل ما يوجد اليوم من اتجاهات فنقول: (الجغرافيا هي دراسة شخصية المكان بمظاهرة الطبيعية والبشرية ودراسة توزيع وتحليل وتعليل)، وعندما نخضع هذا التعريف للتحليل نرى بأنه يتميز بالخصائص الآتية:

  •  النظرة الكاملة التي تدرك الواقع بجوانبه البشرية والطبيعية على تباين عناصر مكوناته وتفاعلها.
  •  توضيح شخصية المكان التي تعد من أهم أهداف علم الجغرافيا، إذ أن لكل مكان شخصية تميزه عن غيره، ولولا وجود هذه الاختلافات التي تميز بين الأماكن من حيث ظروفها المتنوعة لما وجد هناك جغرافيا كما نعرفها حالياً.
  • الاهتمام بالظاهرات الجغرافية من حيث التوزيع والتحليل والتعليل؛ وهذا من أجل معرفة العلاقات بينها، وهي أمر لا نستطيع أن نراه بالعين المجردة، بل نستطيع الوصول إليه عن طريق التحليل والتوزيع، ويعد معرفة العلاقات المكانية بواسطة التوزيع والتحليل والتعليل من أهم الطرق لإبراز وحدة الكل الجغرافي الذي لا يتجزأ.

شارك المقالة: