توزيع المياه الباطنية:
بالرغم من ضخامة كمية المياه المخزونة والصُخور الرسوبية تحت سطح الأرض، نجد أنها لا تزيد عن ستة أعشار من الواحد بالمئة من مجموع كمية المياه في الكرة الأرضية. وحسب تقديرات المتخصصين فإن كمية المياه ب 800 متر العليا من القشرة الأرضية تضاهي 3000 ضعف حجم المياه بجميع أنهار المعمورة وما يُقارب 20 ضعفاً لحجم مياه الأنهار والبحيرات مجتمعة. وفي كثير من أرجاء العالم لا تقتصر أهمية مياه الآبار والينابيع على حاجات الأعداد الهائلة من البشر، بل تشمل إلى جانب ذلك المحاصيل والماشية ومجالات الصناعة كافة المختلفة، ومن آثار التعرية الناتجة عن المياه الباطنية تكون المغارات والملامح المشابهة لها.
فعند هطول مياه الأمطار يجري جزء منها في مسارات على السطح ويتبخر جزء آخر، أمَّا الباقي فينفذ إلى باطن الأرض. ويمثل هذا الأخير عموماً المصدر الرئيسي للمياه الباطنية. وتختلف كمية المياه التي تأخذ أحد هذه المسارات باختلاف ظروف المكان، حيث أنها تعتمد على عدة عوامل. وتشمل شدة الانحدار وطبيعة مكونات السطح وكمية الأمطار إلى جانب نوع وكثافة الغطاء النباتي، فالأمطار الغزيرة الهاطلة على انحدار شديد وكتيم سينتج عنها حتماً كمية كبيرة من المياه الجارية، غير أن الانحدار الطفيف المكون من مواد تسمح للمياه بالمرور من خلالها سينتج عنه كميات أكبر من المياه الباطنية.
كما أن بعض المياه المتسربة إلى ما تحت السطح لا تنساب بعيداً، حيث أنها تقع تحت تأثير الانجذاب الجزئي مكونة غشاء على سطح حبيبات التُربة. ويتبخر فيما بعد جزء من هذه المياه وتستفيد النباتات بمعظم الجزء الباقي بين فترات هطول الأمطار. أمَّا الجزء الباقي المتسرب إلى ما تحت السطح وغير العالق بطوق التُربة الرطب، حيث يستمر بتعمقه إلى أن يقابل الطبقة المشبعة؛ أي التي تمتلئ جميع الفرغات بين مكوناتها. وتُسمَّى المياه في هذا النطاق المشبع بالمياه الجوفيه، كما تعرف الحدود العلوية لهذا النطاق بالمنسوب المائي.
ويعلو المنسوب المائي منطقة الأنابيب الشعرية، وفيها يرتفع الماء في اتجاه معاكس للجاذبية بواسطة خاية الشد السطحي في مسارات شعرية دقيقة بين حبيبات التُربة أو الرسوبيات. ويمكن تجسيد هذه الخاصية بوضع طرف ورق الحمام في الماء ومشاهدة البلل يرتفع إلى الجزء الباقي.