الأشكال الطبوغرافية الناتجة عن التعرية الجليدية:
بالرغم من أن للمجالد القارية قدرة رهيبة على التعرية، إلا أن التضاريس الناتجة من هذه الكتل الجليدية الضخمة لا تعطي ما يمكن أن تقدمه المجالد الألبينية من مناظر خلابة. وتميزالمناطق المتأثرة بصفائح الجليد القاربة بسطح مستوٍ ومصقول وعلى العكس من ذلك، فإن المجالد الألبينية تعمل على إبراز وتعميق الأخاديد الجبلية بمناطق تواجدها. وكما يكشف التجوال في الوديان الجليدية عن الكثير من الظواهر الناتجة عن الجليد.
فالجليد لا يقوم بحفر مجراه بل يسلك مسارات المجاري المائية. وفي المرحلة السابقة للمجالد الألبينية تكون الوديان على شكل (v)، حيث أن مجاريها فوق المستوى القاعي وعليه تقوم بالقطع رأسياً. ولكن الوديان التي تمر بها المجالد لا تبقى على هذا الشكل، حيث أن الجليد يحور في شكلها بالتوسيع والتعميق إلى غور جليدي على شكل (U). وبالإضافة إلى التوسيع والتعميق يقوم الجليد بتقوم اتجاه الوادي، فيتدفق الجليد بمحاذاة المنحنيات الحادة تعمل قوة اندفاعه على إزاحة النتوءات البارزة داخل المجرى؛ ممّا ينتج عنه أجرف مثلثة الشكل تُسَّمى النتوءات المبتورة.
حيث أن قدرة التعرية للمجلد تعتمد على سُمك الجليد به، فإن مجاري المجالد الرئيسية يتم تعقيمها إلى مستويات أقل من روافدها. وبعد انحسار الجليد تبقى الروافد على مستوى أعلى من المجري الرئيسية وتُسمَّى الوديان المعلقة وهذه عادة ما تكون مواقع شلالات فيما بعد كشلالات يوسيميتى بكاليفورنيا. وقد ينتج عن حركة المجالد اقتلاع قطع صخرية من قاع المجرى لترك حفرٍ تُعرف عند امتلائها بالماء بالبحيرات الخزرية، حيث أنها تشبه خرزات العقد عند النظر إليها.
وبالقرب من بداية الوديان الجليدية تتكون المدرجات الجليدية، انخفاضات لها جوانب شديدة الانحدار مفتوحة من أحد جوانبها على الوادي. ويمثل المدرج البؤرة للمصدر الجليدي، أي منطقة تراكم الثلوج وتكون الجليد. وبالرغم من أن أصل المدرجات الجليدية غير كامل الوضوح، فيعتقد أنها جوانب جبلية وعرة وغير مستوية تم توسيعها بفعل الجليد المندفع تحت المجلد وعلى جانبيه. وعند ذوبان المجلد عادة ما تكون هذه المدرجات مواقع صغيرة تعرف بالبرك الجبلية. وعند تواجد مجلدين على جانبين متقابلين من قاسم جبلي يتم هدم الفاصل بين المدرجات الجليدية على الجانبين، عن طريق اتساع كل منهما ليتكوَّن ممر بين المجريين يعرف بمضيق الجليد الجبلي.
ومثال ذلك مضيق جوتهارد بجبال الألب السويسرية ومضيق تيوجا بولاية نيفادا الأمريكية ومضيق بيرناود بجبال الروكي. وقبل إنهاء الحديث عن الوديان الجليدية يجب التنويه إلى ما يعرف بالأزقة البحرية. وهي مداخل للبحر شديدة الانحدار توجد في مناطق كثيرة من العالم عند ملاصقة الجبال للمحيطات، مثل النرويج وكولومبيا وجوينلاند ونيوزلندة وشيلي والاسكا.
وتمثل هذه الأزقة أغواراً جليدية شبه مغمورة، بعد انحسار الجليد عنها وارتفاع مستوى سطح البحر لتغطية جزء منها. ويصل عمقها في بعض الأحيان بين 1000 و 1500 مترٍ، مع ملاحظة أن ارتفاع مستوى سطح البحر ليس بتلك الأهمية في رفع قيمة عمق الأزقة البحرية إلى هذا المقدار، ففي حالة الأنهار يعمل بمستوى سطح البحر على الحد من قدرتها على تعميق مجراها.
ولكن الحاله تختلف مع المجالد، فهي قادرة على الاستمرار قي تعميق مجراها بعد ملاقاة مستوى سطح البحر . فمثلاً مجالد البيني سُمكه 300 متراً قادر على تعميق قاعدة مجراه 250 متراً تحت مستوى سطح البحر، وذلك قبل توقف قدرته على التعرية. وقبل أن يتحول إلى كتل جليدية طافية على سطح البحر.
ولم تقتصر طبوغرافية المجالد الألبينية بجبال الألب والروكي الشمالية وغيرها على الأغوار والمدرجات الجليدية، بل تركت بالإضافة إلى ذلك تلالاً متعرجة ومدببة تُسمَّى النتوءات الجلبية وأخرى هرمية ومدببة تُسمَّى القرون الجبلية. ويمكن أن تتكون النتوءات والقرون الجبلية عن طريق توسيع المدرجات الجبلية مجموعة من هذه المدرجات، حول قمة واحدة لأحد التلال يمكن أن تكون قرناً جبلياً. وأحسن مثال لذلك قرن الماتر بالجزء السويسري من جبال الألب.
وقد تتكون النتوءات الجبلية بنفس هذه الطريقة، غير أن المدرجات الجبلية لا تكون عادة في وضع دائري حول قمة واحدة ولكنها تكون مصطفة على جانبي قاسم جبلي. وكلما كبرت المدرجات واتسعت أصبحت حافة الجبل حادة. وقد تتكون النتوءات بطريقة أخرى وهي تواجد مجلدين بواديين مختلفيين وذلك نتيجة ضيق المسافة بينهما بفعل اتساع مجرى كليهما. وفي كثير من المناطق المتأثرة بالمجالد القارية يعمل الجليد على نحت بعض المرتفعات الانسيابية عن طريق كشط الهضاب الصخرية البارزة.
وتُسمَّى هذه الهضاب العديمة التماثل بصُخور أصنام الأغنام، المقصود بهذا المصطلح مجموعة الصُخور التي شكَّلتها المجالد بحيث تبدو للناظر وكأنها أغنام مضطجعة. ويعمل هنا كشط الجليد على صقل الجانب الأقل انحداراً والمواجه لحركة الصفائح الجليدية، ثم هدم نهاية الطرف العلوي؛ ممَّا يزيد من شدة ميل الجانب الآخر.