صاحب المثل
وردَ في لسان العرب لابنِ مَنظُور، أنَّ اسمه يزيد بن ثَروان القيسي، من بني قيس بن ثَعلبة، وكان يلقب بـ “ذو الوَدَعاتِ”، وقد لُقّب “بِذي الوَدَعَات” لأنّه كان يحمل قِلادة من وَدَعٍ وعِظَامٍ وخَزَف في عُنُقهِ، وقد اشتُهِرَ بها. حتى قِيلَ في المثل العربي “أحمق من هَبنَّقة” أي ذلك الشَّخص الذي جاوزَ حدود الإدراك والوعي المنطقي وقد غَطَّتهُ الحماقة، التي قيل عنها “أعيَت من يُداويهَا”.
ذكر أخباره ابن الجوزي_رحمه الله_، كثيراً في كتابه “أخبار الحَمقى والمُغفَّلين”، حتى غَدا أعجُوبة من أعاجيب الزمان في مجاله ووقته وقيل أنّه عاش في العصر الجاهلي، وهناك روايات أخرى تقول إنه عاش في العصر العباسي، لكنَّ سِياق ذِكر حمَاقاتهِ وغَباءهِ يُبيّن أنه أقرب لعصر ما قبل الإسلام، وَيدُلُّ على ذلك طُقوس القِلادات والوَدَع التي كان يلبسها، وهي من عادات الجاهلية.
وقد قال الشاعر الأمويّ المشهور الفرزدق عنه:
فَلَوْ كَانَ ذُو الوَدْعِ ابْنُ ثَرْوَانَ لَاِلْتَوَت
بِهِ كَفُّهُ، أَعْنِي يَزِيدَ الهَبَنَّقَا
صُوَر من حَماقة هَبنَّقة
تتعدَّدت حَماقات وقصص هَبنَّقة وَمَرويّاته، وقد تَمَّ تصوير شَكلهِ على أنّهُ صاحب ذلك الوَجه الحَامِل للقِلادة مع اللِّحيَة الطويلة التي اقتَرَنت به. وبعدما تقرأ هذه القِصص يَتَّضح لك مدى الحُمق عند هذا الرجل، حتى لو قلَّبتَ القِصة من أوجُهٍ عِدَّة. وإليكَ أيّها القارئ بعض هذه الحماقات.
حِكاية هَبنَّقة مع القِلادة
قِيل أنه كان يُعلِّق في عنقه قلادة من وَدَعٍ وعِظام وخَزَف، فلما سُئل عن سِرّها قال: أخشى أن أضيَّع نفسي، ففعلت ذلك لأعرفها وأعثر عليها إن ضاعت! وذات ليلة سرق أحد الظُّرفاء القلادة وعلَّقها في عُنق شَقيقِ هبَنَّقة، فلما رأى أخاه قال له: يا أخي أنت أنا، ولكن من أنا؟!
هَبنَّقة حَكَم بين قبيلةِ” طَفَاوة”؛ وقبيلة” راسِب”
اختصمت قبيلة اسمها“طفاوة” مع قبيلة اسمها“راسب”، حول رجل حَكيم ادَّعَت كلّ قبيلة أنه عَرَّافها، وقد حُكِّم هَبنَّقة في النِّزاع فقال: نُلقِي الرجل في الماء، فإنْ طَفا على وجهِ الماء، فهو من “طَفاوة”، وإن رسَبَ في الماء، فهو من بني “راسب”!.
هَبنَّقة مع الحَمَّال
يُقال إنَّ هَبنّقة ذهب ذات يوم إلى السوق واشترى حمولة ثقيلة من القمح والشعير بسبعة دنانير ثم استأجر حمَّالاً لِيَحملها على عَاتِقهِ إلى داره نَظيرَ ثلاثة دراهم أجرةً للحَمّال؛ وكان ذلك الحمّال مُحتالاً، فلمَّا دخل في كَثرة الإزدحام في السُّوق بينما كان هبنقة يسير وراءه، انتهز الفرصة واختفى وهرب بالحمولة من دون أنْ يَتمكّن هبَنَّقة من أنْ يُدركه أو يَعثر له على أي أثر. وبعد مرور ثلاثة أيام، ذهب هَبنَّقة إلى السوق مرة ثانية، فرأى الحمَّال ذاته من بعيد، فما كان منه إلا أن سارع إلى الاختباء كي لا يطالبهُ الحمَّال بالأجرة.
هَبَنَّقة يُضَيّع بَعيره
وَمَرَّةً أضَلَّ هبنَّقة بعيراً لهُ فجعل ينادي في النَّاس بأنَّ الذي يجِدُ بعيرَهُ فهو له؛ فقيل له : فَلِمَ تَنشُده وتسأل عنه؟ قال: فأين حلاوة الوجدان وفي رواية: من وجدهُ فله عَشْرة؛ فقيل له: لِمَ فعلت هذا؟ قال: للوجدان حلاوة في القلب .
إنَّ هذه الدُّنيا مُكتَظّة بأمثال هبَنَّقة؛ فَمَن ابتُليَ بصُحبةِ الأحمق فليُكثِر من حَمدِ الله على ما وَهَبَ له مِمَّا حَرَمَ منه ذاك . وقد قال الشاعر المغربي عبدالله الفَاسيّ:
أمّا الحَماقةُ لا تَقرَب لصاحِبها وإنْ بُليتَ فَعُذ بالله وابتهِلِ
وقد قال أبو حاتم بن حَيَّان الحافظ بأنَّ علامة الأحمق: سُرعة الجواب، وتَرك التَّثبُّت، والإفراط في الضَّحك، وكثرة الإلتِفَات، والوقِيعَة في الأخيار، والإختِلاط بالأشرار.