أعطِ القوس باريها

اقرأ في هذا المقال


لكل شعب من الشعوب على وجه هذه الأرض تراثه الثقافي الذي يميزه عن غيره ممن يشاركونه صفحة الأرض وسمائها، وهذا التراث بدوره يعبّر ويصور الكثير من الوقائع والمناسبات، والتي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر.

فيم يضرب مثل “أعط القوس باريها”؟


مثل “أعطِ القوس باريها” مثل عربي قديم تداوله العرب من جيل إلى جيل، وهو يُضرب في وجوب أن يُفوّض ويُسند الأَمر إِلى أولئك الذين يُحسنونه ويمهرون فيه.

قصة مثل “أعطِ القوس باريها”:

أما حكاية مثل “أعطِ القوس باريها” فيُقال إن الشاعر الحطيئة قد دخل في يوم من الأيام على سعيد بن العاص الأموي في قصره، وهو يُعشي الناس في المدينة، وكان سعيد بن العاص من أجود العرب في ذلك الزمان، وكان الحطيئة يرتدي ثيابًا رثة وبالية الهيئة، فجلس الحطيئة يأكل بشراهة ونهم، فلما فرغ الناس من طعامهم وخرجوا، جلس الحطيئة مكانه فأتاه الحاجب ليخرجه، فامتنع وقال: “أترغب بهم عن مجالستي؟ إني بنفسي عنهم لأرغب”.
لما سمع سعيد بن العاص ذلك الكلام من الحطيئة وهو لا يعرفه، قال لحاجبه: “اتركه”، وأخذوا يتحدثون ويتسامرون ويتذاكرون الشعراء والشعر، فقال لهم الحطيئة: “أصبتم جيد الشعر، ولو أعطيتم القوس باريها لوقعتم على ما تريدون”، فانتبه له سعيد:فقال له: من أنت؟ فانتسب له، فقال: “حياك الله يا أبا مليكة، ألا أعلمتنا بمكانك، ولم تحملنا على الجهل بك فنضيع حقك ونبخسك قسطك”، وأدناه وقرب مجلسه واستنشده ووصله وحباه، يقول الشاعر متمثلًا بهذا المثل:
“يا باري القوس برياً ليس يحسنه لا تظلم القوس أعط القوس باريها”، وهو مثل تضربه العرب عند الاستعانة على الأمر بأهل المعرفة والحذق به.

وفي العامية يشيع على ألسن الناس مثل يحمل في معناه المعنى ذاته في مثل “أعط القوس باريها”، ألا وهو مثل “أعطِ الخبز للخباز، ولو أكل نصه”، والإسلام جعل من علامات وأشراط الساعة وآخر الزمان، قيام من ليس أهلًا للأمر بما لا يحسنونه، فيعيثون فيه ويفسدونه، ويدفع المجتمع برمته ثمن ذلك النوع من خبط العشواء الناجم عن توسيد الأمر إلى غير أهله، والعاقل لا يوكل أمرًا مهمًا إلى شخص ليس كفؤًا له، حتى لو كان أجره الذي يتقاضاه زهيدًا، لأنه سيفسده، بل يسلم الأمر إلى خبير حتى لو كان أجره عاليًا.


شارك المقالة: