إن البغاث بأرضنا يستنسر

اقرأ في هذا المقال


في المصائب والشدائد، يقوم الشخص بالاستناد إلى حكمة أجداده وآبائه، وما أنتجته تجاربهم، والتي يعجّ بها تراثهم العظيم من الحكم والأمثال والأقوال والأشعار، نحاول أن نتصبر بها، وأن نستلهم منها الوعي والقوة والعمل، وليس هناك أدنى شك أنّ للأمثال دورها الكبير في إظهار درجة فصاحة الشخص المتكلم أوالكاتب، وفي تمكينهما من أن يعبّرا بعبارة موجزة عن الكثير من الأفكار، فما يكاد يسمع أهل اللغة مثلًا أو يقرؤونه، حتى تتداعى المعاني في أذهانهم فتغني المتحدث والكاتب عن كثير من الكلمات والألفاظ.

أصل مثل “إن البغاث بأرضنا يستنسر”، وفيمَ يضرب؟

مثل “إنّ البغاث بأرضنا يستنسر” من الأمثال العربية المعروفة، وهو يُضرب للضعيف ليصيبح قويًّا، وللذليل يعزّ بعد الذلّ، وأما أصله فيعود إلى البغاث، والذي هو نوع من الطير الضعيف، وقد جاء في معجم المعاني الجامع أنّ البغاث هو اسم وجمعه بِغثان، وهو نوع من الطيور له لون كلون الغبار، كما أنّه طائر بطيء في الطيران، له عنق طويلة، وتُلفظ كلمة بغاث على ثلاث لغات الفتح والضم والكسر، ومعنى يستنسر فهي من الفعل استنسر، ويُقال استنسر الطائر أي أنّه أصبح كالنسر في القوّة، والنسر هو أحد الطيور الجارحة، وهو ذو بصر حادّ، وهو أكبر الطيور الجارحة حجمًا، كما أنّه ذو منقار مذنب ومعقوف، وللنسر جناحان كبيران، ويتغذى على جيف الحيوانات الميتة وعلى رغم قوته فهو لا يصطاد إلّا في وقت الضرورة.

شروح أخرى لمثل “إن البغاث بأرضنا يستنسر”:

لقد جاء في واحد من الشروح لمثل “إنّ البُغاث أرضنا يستنسر” يصير كالنسر فلا يتمكن أحد من أن يصيده، كما ورد في تفسير ابن العسكري لهذا المثل أنّ مظهر التشابه بين البغاث وبين النسور هو عدم الصيد، فالبُغاث لا تصطاد لضعفها أمّا النسر فهي لا تصيد إلا للضرورة برغم قوتها بل تقتات على جيف الحيوانات، فكان التشبيه على الشكل فقط بغضّ النظر عن الطباع، كما جاء في قول الجاحظ أنّ قوة النسور تأتي من عظم حجمها وليس من قوة مخلبها، فيصبح معنى مثل: “إن البغاث بأرضنا يستنسر” أنّ طائر البغاث قد أصبح نسرًا إمّا في الطبع أو في الشكل، وأنّه صار قويًا كالنسر عندما يصيد الحيوانات بعد أن كان هذا الطائر من أضعف الطيور، وكما أسلفت أن هذا المثل يُضرب للضعيف الذي أصبح قويًا بعد طول عهده في الضعف، كما يُضرب للذليل الذي عزّ من بعد ذلّه وهوانه، وقد قالت العرب أيضًا أنّ البغاث هي صغار الطيور؛ لذلك كانت تورد هذا المثل عندما ترى خلوّ الجو لصغار القوم في غياب كبارهم.


شارك المقالة: