إن البلاء موكل بالمنطق

اقرأ في هذا المقال


كل الأمم منذ أن دبّت خطاها على وجه البسيطة، امتلكت الموروث الثقافيّ الذي جعلها تنفرد عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “إن البلاء موكل بالمنطق”.

من هو صاحب مثل “إن البلاء موكل بالمنطق”؟

يُعدّ مثل “إنّ البلاء مُوكّل بالمنطق” من الأمثال العربية المشهورة في التراث العربي الأصيل، وأما صاحب هذا المثل، فهو سيدنا أبو بكر الصديق- رضي الله عنه وأرضاه-، وفي رواية أخرى قيل إن صاحب المثل، هو نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- وفيما يلي من سطور، سيتم ذكر لكم قصة المثل كما وردت في التراث العربي.

معنى مثل “إن البلاء موكل بالمنطق”:

معنى مثل “إن البلاء موكل بالمنطق” ألّا يعجل الشخص على نفسه بالكلام فيكون فيه فناؤه، أو يوافق ساعة استجابة فيصادف قولُه قدرًا سبق في علم الله عز وجل؛ كما جاء في الحديث: “لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا تُوافقوا من الله تعالى ساعة نيل فيها عطاء، فيستجيب لكم”.

قصة مثل “إن البلاء موكل بالمنطق”:

يُروى أن أول من أطلق هذه المقولة والتي راحت مثلًا فيما بعد، هو سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه، فمما ذكره ابن عباس، قال: حدثني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، فقال: لما أُمر رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه وكذلك أبو بكر، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر، وكان نسّابة فسّلم فردوا عليه السلام، فقال: ممن القوم؟ قالوا: من ربيعة، فقال: من هامتها أم لهازمها؟ قالوا: من هامتها العظمى، قال: فأي هامتها العظمى أنتم؟ قال: ذهل الأكبر، قال: أفمنكم عوف الذي يقال له لا حر بوادي عوف؟ قالوا: لا، قال: أفمنكم بسطام ذو اللواء ومنتهى الأحياء؟ قالوا: لا، قال: أفمنكم جساس بن مر حامي الذمار ومانع الجار ؟ قالوا: لا.

ثم قال أبو بكر- رضي الله عنه-: “أمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها؟ قالوا: لا، قال: أفمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة؟ قالوا: لا، قال: أفأنتم أخوال الملوك من كندة؟ قالوا: لا ، قال: فلستم ًالأكبر، أنتم ذهل الأصغر، فقام إليه غلام قد بقل وجهه يقال له دغفل، فقال: إن على سائلنا أن نسأله، والعبء لا تعرفه أولا تحمله، يا هذا إنك قد سألتنا فلم نستكتمك شيئًا فمن الرجل أنت؟ قال أبو بكر بكر: رجل قريش، قال: بخ بخ أهل الشرف والرياسة، فمن أي قريش أنت؟ قال: من تيم ابن مُرّة، قال: أمكنت والله الرامي من صفاء الثغرة، أفمنكم قصي بن كلاب الذي جمع القبائل من فهر وكان يدعي مجمعا؟، قال: لا، أفمنكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف؟ قال: لا، قال: أفمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء الذي كأن في وجهه قمرًا يضيء ليل الظلام الداجي؟ قال: لا، قال: أفمن المفيضين بالناس أنت؟ قال: لا، قال: أفمن أهل الندوة أنت؟، قال: لا، قال: أفمن أهل الرفادة أنت؟ قال: لا، قال: أفمن أهل الحجابة أنت؟ قال: لا، قال: أفمن أهل السقاية أنت؟، قال: لا.

قام أبو بكر واجتذب زمام ناقته، فعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال دغفل: صادف ردء السيل درءًا يصدعه، أما والله، لو ثبت لأخبرتك أنك زمعات قريش، أو ما أنا بدغفل! قال : فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقال علي: قلت لأبي بكر: لقد وقعت مع الأعرابي على باقعة، قال: أجل إن لكل طامة طامة، “وإن البلاء موكل بالمنطق”، والمراد به: التحذير من سرعة النطق بغير تثبّت؛ خوف بلاء لا يُطاق دفعه، وفي ذلك يقول الشاعر:

“لا تمزحن بما كرهت فربما      ضرب المزاح عليك بالتحقيق”، وقال غيره:

“لا تنطقن بما كرهت فربما     نطق اللسان بحادث فيكون”، وقال آخر:

“احفظ لسانك ان تقول فتبتلى   إن البلاء موكل بالمنطق”.


شارك المقالة: