تفسير الآية
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱجۡتَنِبُوا۟ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمࣱۖ ࣱ﴾ [الحجرات ١٢].
تمرُّ بالأمة والفرد أوقات من الانتصار، ومثلها من الانكسار، وأوقاتُ من الفرح، وأخرى من الحزن، فُيسرّ بالأولى، ويحزن بالثانية، وربما بلغت عند البعض حد اليأس، أو إساءة الظن بالله وبإخوانه المسلمين، فأورثه ذلك قعوداً وإحباطاً.
ولا يقتصر هذا الأمر على أفراد الناس وآحادهم وعوامهم؛ بل ربما يشمل فئات كثيرة من المجتمع؛ من علمائه أو قادته أو غيرهم، وهي طبيعة حدثنا عنها القرآن الكريم في مواضع كثيرة، لنعالجها ونتبصر الطريق إزاءها.
وإذا عدنا إلى قصة الأحزاب؛ سنتذكر أنّ الأحزاب اجتمعت على النبي صلى الله عليه وسلم من خارج المدينة وداخلها؛ كقريش واليهود والمنافقين، ولكن لنتأمل وصف القرأن لهذا الحال، إذ يقول ﴿إِذۡ جَاۤءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠﴾ [الأحزاب ١٠] فتأمل التعبير بقوله (وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠) .
ثمّ يعيد التاريخ نفسه بعد أكثر من ستة قرون من حادثة الأحزاب، حين هجم التتار على بلاد الإسلام، فيأتي الإمام ابن الأثير، وهو أحد كبار المؤرخين فيقول: لقد بقيت عدة سنين مُعرضاً عن ذكر هذه الحادثة- يقصد دخول التتار، وإفسادهم وقتلهم في بلاد المسلمين- استعظاماً لها، كارهاً لذكرها فأنا أُقدّم رجلاً، وأؤخر أخرى، فمن يسهل عليه نعي الإسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكرُ ذلك، فيا ليت أمّي لم تلدني، ويا ليت متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً.
تأملوا معي هذه الروح التي غلبت عليه أثناء تسطير هذه الكلمات، وهي من جهة تُحمد له على حزنه على ما أصاب الإسلام والمسلمين.
بعض الناس وبعض الفضلاء – قد يقع- من حيث لا يشعر فيما ذمّ الله به طائفة من المنافقين، وهم الذين يقول الله عنهم (یَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِۖ یَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَیۡءࣲۗ) [آل عمران ١٥٤].
إنّ حسن الظن بالله شأن المؤمن الموفق الواثق بربه، وهو الذي يجعله متفائلاً في حياته، يسير باتجاه العمل الفاعل المثمر البناء، مُتخلياً عن اليأس والإحباط.
وبعد أن يحسن المؤمن الظن بربه؛ فإنّه مأمورُ بإحسان الظن بإخوانه المسلمين ولنستمع إلى قوله تعالى (﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱجۡتَنِبُوا۟ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمࣱۖ)، ولنستمع أيضاً إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم ” إياكم والظن فإنّ الظن أكذب الحديث”.
إنّه يورث الألفة والمحبة بينهم، وفي المقابل؛ يورث العداوة والبغضاء والحسد، الذي يدفع المرء إلى ارتكاب قبائح ليس لها حد.
اللهم طهر قلوبنا من أمراضها، وارزقنا القصد في الفقر والغنى.