اقرأ في هذا المقال
- فيم يضرب مثل “الخيرة فيما اختاره الله”؟
- صيغ أخرى لمثل “الخيرة فيما اختاره الله”
- قصة مثل “الخيرة فيما اختاره الله”
يعجّ تراث العرب الأصيل بالحكم والأمثال، فبعضها ما ضُمّن بيتًا من الشعر فصار مثلًا، وبعضها ما قيل في صورة موعظة وحكمة فصار مثلًا، وكل تلك الأمثال والحكم قد أتت نتيجة مواقف وحوادث متفرقة، والذي صار منها مثلًا، تناقلته الأجيال حتى يومنا هذا، للتعلم والعظة، وأما مثلنا الذي بين أيدينا: “الخيرة فيما اختاره الله”، فقد قيل هذا المثل في قديم الزمان، وله قصة سيتم ذكرها فيما يلي من سطور، كما سيتم ذكر صيغهِ المختلفة لدى الشعوب العربية.
فيم يضرب مثل “الخيرة فيما اختاره الله”؟
ذكر النوري مثل “الخيرة فيما اختاره الله” بلفظ “الخير”، وهو مثل يُضرب تخفيفًا وإيناسًا للمرء إذا ما حصل له أمرًا أزعجه، فكأنه يقول له لا تحزن فما قدر سيكون.
صيغ أخرى لمثل “الخيرة فيما اختاره الله”:
يستخدم أهل الجزيرة العربية المثل بلفظه هذا، ويُضرب في مواقف تبين جهل الانسان بعواقب الأمور، وأن الله عز وجل يختار لعبده أفضل مما يختار هو لنفسه، كما يُقال المثل كذلك بصيغة: “الخيرة بما اختاره الله”، وفي العراق والسودان والمغرب بلفظ النوري، كما أورده الميداني ضمن أمثال المولدين بصيغة: “الخيرة فيما يصنع الله” و”ما صنع الله فهو خير”، ونقل الجاحظ في كتابه البيان والتبيين: “إن قومًا تمنوا عند يزيد الرقا شيئًا فقال: “أتمنى كما تمنيتم؟ قالوا تمنَّ: قال: ليتنا لم نخلق، وليتنا إذا خُلقنا لم نعصَ، وليتنا إذ عصينا لم نمت، وليتنا إذا متنا لم نبعث، وليتنا إذ بُعثنا لم نحاسب، وليتنا إذ حوسبنا لم نعذب، وليتنا إذ عُذّبنا لم نخلد”، فبلغ كلامه عبدالله بن حسن بن علي بن أبي طالب، أو علي بن الحسين فقال: “علمنا في التمني شيئًا: “ما اختاره الله فهو خير””.
قصة مثل “الخيرة فيما اختاره الله”:
كثيرة هي الأمور التي يبذل فيها الإنسان الجهد العظيم، ويحاول أن يناله بكل طاقته، غير أن الله سبحانه وتعالى قد منعه عنه لحكمة ما، فيصيبه الهم والغم، وبعد فترة يشعر أن هذا الأمر لم يكن فيه خيرًا له، فيحمد الله عز وجل على صرفه عنه، ويعرف ويدرك أن الخيرة فيما اختاره الله، وليس فيما اختاره هو.
للمقولة هذه حكاية أوردها الإمام ابن الجوزي رحمه الله، إذ يُروى أن ملكًا كان لديه وزير صالح، كان من أهم صفاته أنه يرضى على الدوام بقضاء الله سبحانه وتعالى، فما كان يحدث له أي أمر سواء كان خيرًا أو شرًا، إلا وحمد الله عز وجلّ، ورضي بقضائه قائلًا: “الخيرة فيما اختاره الله”، وذات مرة كان الملك يأكل بعضًا من الفاكهة، فجرح إصبعه بالسكين، فقال الوزير الصالح كلمته المعهودة: “الخيرة فيما اختاره الله”، فغضب الملك كثيرًا لهذا الأمر، وقال أي خيرة في مكروه أصابني، فقد جرح السكين يدي وسال منها الدم الكثير، وأمر الملك بأن يجرد الوزير من منصبه ويُزج به في السجن عقابًا له على قولته.
بعد عدة أيام عزم الملك على أن يخرج في رحلة صيد، وكان أن أنساه الصيد مرور الوقت فابتعد كثيرًا عن بلده، ودخل في أرض تعبد النار، فلما رأوه أهل القرية أمسكوا به، وقرروا تقديمه كقربان لألهتهم، وكانت هذه عادة متبعة عندهم، ولما جردوه من ملابسه كي يقذفوه في النار، رأوا الجرح الغائر في إصبعه، فاستبعدوه وأخلوا سبيله، لأن من شروط القربان عندهم أن يكون سليمًا معافى ليس به شائبة، واعتبروا الجرح في يده عيبًا ونقصًا فيه لذا تركوه، فعاد إلى بلده وتذكر كلام الوزير أن “الخيرة فيما اختاره الله”.
لما رجع الملك إلى بلده أمر بأن يُخرج الوزير من السجن ويُرجع إلى منصبه، ولما قابله قال: لقد أدركت أن الخيرة فيما حدث لي، وأن الله اختار لي ما ينجيني من الموت، أما أنت فما هي الخيرة من دخولك السجن؟، فقال الوزير: لو لم أدخل السجن لكنت جئت معك في رحلة الصيد، وكنت سأكون أنا بديلك في النار، فأنا صحيح معافى، وكانوا سيتقربون بي لآلهتهم، وأحمد الله سبحانه أني كنت في السجن حينها، فقد كان سجني خيرة اختارها الله لحمايتي من الوقوع في مثل هذا الموقف، وهذه القصة توضح مدى رحمة الله تعالى ورفقه بعباده فهو دائمًا يختار لهم الخير.