السعادة والحياة الطيبة :
يبحث الناسُ عن السعادةِ منذ أن وجُدوا على سطح الأرض.
يبذلون من أجلها كلَّ غالٍ ونفيسٍ، ربما لا تجدهم مُتفقين على شيء، كما اتفاقهم على أنّهم يريدون السعادة، لكنّ اتفاقهم هذا، يُخفي اختلافات عديدةٍ وتناقضات عميقة، فهم يختلفون في تحديدِ معنى السعادة وتعريفها، حتى تكادُ تتصور بينها هو أنّهم يطلقون عليها اسماً واحداً.
وهكذا، فإنَّ السعادةَ قد تكون، بالنسبة إلى شخصٍ ما، رصيداً كبيراً في البنك، وإجازات طويلة في منتجعٍ ساحلي، وقد تكون بالنسبة إلى شخصٍ آخر، أحضانَ امرأة حسناء، وقد تكون ممثلة في ( زوجٍ مناسب) بالنسبة لفتاةٍ يكادُ سنُّ الزواج أن يفوتها حسب معايير مجتمعها.
النوم المطمئن على الوسادة، لن يحمل معنى السعادة بالنسبة إلى ذاك الذي يريد أحضان امرأة حسناء، والرصيد الضخم قد يمحي السعادة بالنسبة إلى ذلك الذي لا يُريد غيرَ الستر والطمأنينة، والكتابُ الممتع قد لا يكون ممتعاً على الإطلاق – بل قد يكون مُثيراً للضجرِ عند أشخاص آخرين.
وهكذا، فإنّ الجميعَ لا يبحثون فعلاً عن (السعادة)، بل كلٌ منهم يبحث عن ( سعادته ).
وما دام تعريف السعادة نسبياً لهذه الدرجة، فإنّ تعريفَ الشقاء سيكونُ نسبياً هو الآخر، فالشقاء هو ضدُ السعادة، ولهذا فإنّه يأخذُ من السعادةِ مطاطية تعريفها ونسبيتها، فربما تكون السعادة بالنسبة إلى البعض، قد تكون قمّة الشقاء بالنسبةِ للبعض الآخر.
فهل السعادة المطلقة وهمٌ إذا؟!
قالبُ مطاط يختلف حسب مقاييس كل شخصٍ وتعريفاته، ألا يوجد معيار أعلى يمكُّن من قياس السعادة ؟ – ومن ثم الشقاء –لا لابد من وجود معيار يتعالى عن أمزجتنا وظروفنا، معيارٌ لا يتحدد بزمانٍ أو مكانٍ، أو ظرفٍ عابر.
مُعيار قرآني مطلق، يُحدد لنا التعريف الحقيقي للسعادة، وبالتالي، المعنى المطلق لما هو ضد السعادة: الشقاء.
يأتي القرآن حاسماً للقضية بين الطرفين، فاصلاً، قاطعاً، قال تعالى: ﴿مَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَلَنُحۡیِیَنَّهُۥ حَیَوٰةࣰ طَیِّبَةࣰۖ وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ صدق الله العظيم [النحل ٩٧] وقال تعالى: ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَةࣰ ضَنكࣰا وَنَحۡشُرُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَعۡمَىٰ﴾ صدق الله العظيم [طه ١٢٤].
مع أنّ مفاهيمنا التقليدية عن الشقاء، ستبدو مهمةُ حمل الرسالة وحمل القرآن قريبة جداً من الشقاء، من كلِ ما ترتب من حمل القرآن إلى العالم من أذى ومن نتائج سلبت ليس السعادة فقط، بل سلبت كلَّ معاني الراحة ممن حملوا تلك الرسالة، وبالذات منه عليه الصلاة والسلام.
فالله قال: ﴿مَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰۤ﴾ صدق الله العظيم [طه ٢] نعم ، لقد نزل القرآن من أجل إزالة الشقاء عن هذا العالم، فالكثير الذين يتخبطون في البحث عن السعادة، تضيع حياتهم بحثاً عمن السعادة الزائفة.