كنود الإنسان وسببه

اقرأ في هذا المقال


الآية

﴿وَٱلۡعَـٰدِیَـٰتِ ضَبۡحࣰا (١) فَٱلۡمُورِیَـٰتِ قَدۡحࣰا (٢) فَٱلۡمُغِیرَ ٰ⁠تِ صُبۡحࣰا (٣) فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعࣰا (٤) فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا (٥) إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودࣱ (٦) وَإِنَّهُۥ عَلَىٰ ذَ ٰ⁠لِكَ لَشَهِیدࣱ (٧) وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَیۡرِ لَشَدِیدٌ (٨) ۞ أَفَلَا یَعۡلَمُ إِذَا بُعۡثِرَ مَا فِی ٱلۡقُبُورِ (٩)﴾ [العاديات ١-٩]

للمفسرين رحمهم الله تعالى أقوال في سبب الأقسام بالخيل ووصفها بصفات مخصوصة، كأقوالهم في سائر أقسام القرآن في غير هذا المقام، أحسنها: أنّ الله سبحانه أقسم بها متصفة بصفاتها التي ذكرها، آتية بالأعمال التي سردها، لينوه بشأنها ويعلي من قدرها في نفوس المؤمنين أهل العمل والجد ليُعنوا بقيمتها وتدريبها على الكر والفر، وليحمل أنفسهم على العناية بالفروسية والتدرب على ركوب الخيل والإغارة بها كقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ ﴾ [الأنفال ٦٠].

وهذا كلام حكيم ومعنى شريف، مطابق لروح الدين الإسلامي دين الرجولة الكاملة، والبطولة والفروسية والحماية، والأمان، والسلام، والجهاد النزية الفاضل، جد مطابق، تعاضده الآيات العديدة، والأحاديث الكثيرة، بيد أنه مستقل لا يُفهم من ظاهرة الكلام المبين ولا من سياق الأحاديث خصوصاً، ولا يرتبط بقوله (إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودࣱ) الذي يظهر أنّه عمود السورة وقطب الرَّحى، والذي من أجله سيقت الآيات التي وصُفت فيها الخيل.

لو قرأت الآيات التي وصف الله فيها الخيل مع قوله تعالى (إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودࣱ) مراراً مع خلو الذهن من كل ما قيل فيها: تنتبه سريعاً إلى نعمة كلما حمدت الله عليها كان قليلاً.

الحكمة والدرس.

ترى أن الله سبحانه يصف الخيل في هذه السورة بأوصاف ويذكر لها أعمالاً، كلها ترجع إلى نقطة؛ وهي الوفاء والفداء والإيثار لسيدها.

فهي التي تفديه بنفسها، وتشقى لنعيمه، وتموت لحياته، ولا تعرف لنفسها ولا لحياتها حقاً، ترمي بنفسها في الخطر، وفي النار والبحر، وتصبر على الجوع والعطش، وتتحمل المشاق: تعدو ضبحا،ً وتوري قدحاً، وتُغير صبحاً، فتثير به نقعاً، وتوسط به جمعاً، ولا تصوير أبلغ من تصوير الله سبحانه وتعالى.

تفعل هذا مع ربها، وهو ليس لها برب، والذي هو من غير جنسها، والذي يستخدمها أكثر ممّا يخدمها، وهو الحيوان غير الناطق غير العاقل، فكيف الإنسان العاقل الشريف مع ربه الحقيقي وولي نِعمه، إن الإنسان لربه لكنود! فللإنسان عبرة في دواجنه وفي عبيده المسخرة.

  (وَإِنَّهُۥ عَلَىٰ ذَ ٰ⁠لِكَ لَشَهِیدࣱ) يشهد به لسان الحال ولا يجحد به بلسان المقال، وإن كذب اللسان فأحوال الإنسان وسيرته تصرخ بذلك وتنادي.(وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَیۡرِ لَشَدِیدٌ ) والعلة الطبيعية لذلك أنّ الإنسان لا يقدر أن يجمع بين الربَّين يعبدهما ويخدمهما ﴿وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلࣰا (٣) مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلࣲ مِّن قَلۡبَیۡنِ فِی جَوۡفِهِۦۚ (٤)﴾ [الأحزاب ٣-] وقال تعالى ﴿۞ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبۡدࣰا مَّمۡلُوكࣰا لَّا یَقۡدِرُ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَمَن رَّزَقۡنَـٰهُ مِنَّا رِزۡقًا حَسَنࣰا فَهُوَ یُنفِقُ مِنۡهُ سِرࣰّا وَجَهۡرًاۖ هَلۡ یَسۡتَوُۥنَۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [النحل ٧٥]. فهذه السورة قد اشتملت على بيان المرض وهو قوله تعالى (إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودࣱ ) وعلى علته وهو قوله تعالى (وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَیۡرِ لَشَدِیدٌ) وعلى علاجه وهو قوله تعالى (أَفَلَا یَعۡلَمُ إِذَا بُعۡثِرَ مَا فِی ٱلۡقُبُورِ) فإنّ الإيمان بالآخرة وتذاكر الموت يكشف الغطاء عن العين، ويُفيق من سكرة الدنيا، قال النبي صلى الله عليه وسلم : أكثروا ذكرَ هادم اللذات .


شارك المقالة: