ذلّ لو أجد ناصرا

اقرأ في هذا المقال


إنّ الشعوب التي تعيش على صفحة الأرض، لها من الموروث الثقافيّ ما يميزها عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعلّ من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “ذلّ لو أجد ناصرًا”.

فيم يضرب مثل: “ذلّ لو أجد ناصرا”؟

تضطر الحياة بعض الناس إلى أن يقبلوا بالإهانة، وذلك لعدم قدرتهم على أن يردّوها بمثلها لمن يهينونهم، أو لانعدام  الأشخاص الذين قد ينصرونهم أو يمدون إليهم يد المساعده في بتر وقطع هذه الإهانة في ذات الوقت الذي حدثت فيه، وقد صورت أمثال العرب هذا الموقف، والذي قد يكون أيّ شخص عرضة له، ومن هنا انطلق المثل العربي : “ذلّ  أجد ناصرًا”، وهو يُضرب فيمن يعاني فيها شخص ما من ذلِّ الإهانة؛ ذلك أنّه لم يجد أيّ نصير، وللمثل قصة رواها المفضل الضبيّ سأوردها فيما يلي.

قصة مثل: “ذلّ لو أجد ناصرًا”

أمّا قصة مثل: “ذلّ لو أجد ناصرًا”، فيروي المفضل الضبّي أنّه يرجع في الأصل إلى واقعة بين “الحارث بن أبي شمر الغساني”، و”أنس بن أبي الحجير”، وكان ذلك لمّا بادر الحارث إلى طرح سؤال على أنس عن أمور معينة، وعندما أجابه أنس، قام الحارث بلطمه، وقتها غضب أنس قائلًا: “ذلٌ لو أجد ناصرًا، وبعد قوله هذا، لم يكتفِ الحارث بلطمة واحدة، إذ إنّه قام الحارث بلطم أنس كرةً أخرى، الأمر الذي جعله يطلق عبارة أخرى صارت مثلًا كذلك، حيث قال: “”لو نُهيت الأولى لانتهت الأخرى”، ليصير تقدير المثل الأول: “أنّ هذا ذل، ولو كنت وجدتُ من ينصرني لما قبلت به البتة”.

أصبحت مقولة أنس بن أبي الحجير : “ذلّ لو أجد ناصرًا” من الأمثال العربية السائرة، وقد تمّ إدراجه في أمهات كتب الأمثال العربية؛ كي يعبر عمّن يقع عرضة لذلِّ أحدِ الأشخاص، فلا يتمكن من منع هذا الذل كي يكرم نفسه، بل إنّه يخضع في مهانة، غير أنّه لو وجد بجانبه من ينصره لكان دفع هذا الذل، وقد يكون إيجاد الناصر هو مجرد حجة لعدم قدرة هذا الشخص على إنهاء هذا الذل.


شارك المقالة: