تُعرّف الأمثال أنها جمل أو عبارات من أهم سماتها القصر والإيجاز، وفي الغالب تتحدث الأمثال عن تجارب سابقة، والتي عايشها الناس في زمن معين، إذًا فالأمثال ما هي إلا خلاصة تجربة الشعوب بمختلف طبقاتهم، فهي وُجدت نتيجة إبداع المجتمع بأكمله من خلال الخبرة والتجربة والمواقف الطارئة، والفترة التاريخية التي اضطرت الناس إلى قول المثل، وتعدّ الأمثال الشعبية مرآة لطبيعة الناس ومعتقداتهم، حيث تنعكس عليها عاداتهم وتقاليدهم، وتُعتبر الأمثال وسيلة لتعلّم الدروس من الحياة، وذلك بشكل حكيم وفكاهي في آن واحد، فالأمثال تحثّ على الفضيلة، وتنبذ الرذيلة بأسلوب يميل إلى الجد حينًا، والى السخرية حينًا آخر.
أصل مثل “لا ناقة لي فيها ولا جمل وفيم يضرب”؟
إن الأمثال والحكم العربية تعجّ بالقصص والحكايات المليئة بالمعاني الجميلة الممتعة، والتي تضمّ بين طيّاتها الدروس والعبر، والتي إن تعرفنا عليها سنزداد ثقافة وحكمة، وهنا في هذه السطور سنتعرف على سرّ قصة المثل العربي، “لا ناقة لي فيها ولا جمل”.
يُروى أن صاحب مقولة “لا ناقة لي فيها ولا جمل”، هو: “الحارث بن عباد”، والذي أبى أن يساعد بني شيبان حين لجؤوا إليه؛ لمعرفتهم بحنكته وخبرته في إدارة الحروب وحل المنازعات، وذلك في حربهم المشهورة ضد قبيلة بني تغلب، وهي حرب البسوس التي ذكرت في معرض حديثنا عن مثل “أشأم من البسوس”، وكما نعلم أن حرب البسوس قد استمرت أربعين عامًا بين القبيلتين، وبالفعل كانت تلك الحرب مضربًا للمثل في الشؤم بين العرب، فكانوا يقولون أشأم من البسوس، وتم بعد ذلك استخدام هذه عبارة “لا ناقة لي فيها ولا جمل”؛ للتعبير عن عدم وجود أي فائدة أو عائد للشخص من هذا الأمر.
قصة مثل “لا ناقة لي فيها ولا جمل”:
أما أحداث قصة مثل “لا ناقة لي فيها ولا جمل” فتعود إلى عام أربعمئة وأربعة وتسعين؛ أي قبل أن يظهر الإسلام، إذ كانت هناك امرأة تُدعى البسوس بنت منقذ التميمية، وفي يوم من الأيام قررت هذه المرأة أن تزور ابن أختها، وتستقر عنده لفترة، وابن اختها هو “الجساس بن مرة الشيباني”، وفي أحد الأيام بينما كانت البسوس تجلس في ضيافة ابن أختها، كان هناك جار لهم يدعى “سعد الجرمي”، وكان لديه ناقة فد قام بربطها في جوارهم، وبينما مرت إبل حاكم جبار من الجبابرة، وهو “كليب بن ربيعة” من قبيلة تغلب، فلتت الناقة ونزعت رباطها، وهربت مع إبل كليب، فقام هذا الجبار برميها بسهمه فقتلها، وما إن رآها صاحبها، وهو سعد الجرمي حتى استغاث بالبسوس جارته، والتي فزعت لمنظر الناقة وصاحت: “واذلاه، واجاراه”.
لما سمع ابن أخت البسوس بنت منقذ “الجساس بن مرة” استغاثتها، ما كان منه إلا أن هب وانتفض لنصرة جاره، وانطلق مسرعًا خلف “كليب بن ربيعة” يريد منه القصاص، وبعد قتال طويل، قام الجساس بضرب كليب ضربة، أدت إلى مقتل كليب من قبيلة تغلب، ومن هذه الحادثة اشتعلت شرارة الحرب المشهورة: “حرب البسوس”، بين قبيلتي تغلب وقبيلة بني بكر، والتي استمرت لظاها أكثر من أربعين عامًا.
أما صاحب مقولة “لا ناقة لي فيها ولا جمل”، فهو رجل حكيم، عُرف عنه الحكمة والعقل، وكما اشتهر بالرأي السديد والخبرة بالحرب، ألا وهو “الحارث بن عباد”، حتى أن جميع العرب كان يلجؤون إليه في حل الخلافات التي تقع بينهم، ويستغيثون به لنصرتهم، وهذا الأمر الذي فعله بنو شيبان لما لجؤوا إليه، إذ طلبوا منه أن يقف بجانبهم ضد عدوهم، وهم قبيلة تغلب، حينها قال الحارث ابن عباد: “هذا أمر لا ناقة لي فيه ولا جمل”؛ أي أنه لا شأن لي به، ولا يضرني منه شيء.
لقد أراد الحارث بن عباد بكلامه، جار البسوس صاحب الناقة، والتي كانت الشرارة التي اشتعلت من أجلها هذه الحرب، وأما ردّ الحارث فقد كان دليلًا على رفضه مساعدة بني شيبان في هذه الحرب، والنجاة بنفسه من حرب استمرت لأكثر من أربعين عامًا بين القبيلتين تغلب وبني شيبان، والتي كانت مضربًا في المثل في الشؤم، إذ كان العرب قديمًا يقولون على الرجل الشؤم أو الفعل المنكر الذي يجر الخيبة أو العار: “أشأم من البسوس”، وذلك كدليل على أن البسوس كانت امرأة جرت النحس والشؤم إلى قبيلتي بكر وتغلب لسنوات طويلة.