ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب

اقرأ في هذا المقال


صاحب المقولة

أبو العاص لَقيط بن الربيع عبدالعُزَّى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة العَبشمي القرشي الكناني.

صحابيّ، وصِهرُ رسول الله_ زوج ابنته زينب، وهو والد أمامة التي كان يَحملها النبي في صلاته، ووالد عليّ بن أبي العاص. أمّهُ” هالة بنت خويلد، أخت خديجة بنت خويلد.

كانت خديجة هي التي سألت رسول الله أنْ يُزوّجه بابنتها زينب، وكان لا يُخالِفها، وذلك قبل الوحي، وقد حارب الرسول_صلى الله عليه وسلم_ مع المشركين في غزوة بدر.

كان النبي_ صلى الله عليه وسلم_، قد زوَّج ابنته رُقيّة من عُتبة بن أبي لهب، فلما جاء الوحي قال أبو لهب: اشغلوا محمداً بنفسه، وأمرَ ابنه عُتبة فطلق ابنة رسول الله قبل الدخول بها، فتزوجها عثمان بن عفان، وَمَشوا إلى أبي العاص فقالوا: فَارِق صَاحِبتَك ونحن نُزوّجك بأيِّ امرأةٍ من قريش شِئت، قال: لا والله إذاً لا أفارِق صَاحِبتي، وما أحبُّ أنَّ لي بامرأتي امرأة من قريش. وأسلم قبل صُلحِ الحُدَيبية بخمسة أشهر.

قال المُسَوّر بن مَخرَمة: أثنى النبي على أبي العاص خيراً، وقال:” حَدّثنِي فَصَدَقنِي، ووَعَدنِي فَوفَّى لي”، وقد وعدَ النبي أنْ يَرجِع إلى مكة بعد وقعَةِ بدر، فَيَبعَث إليه ابنته، فوَفَّى بوعده، وفارقها مع شِدَّةِ حبِّهِ لها.

وكان من تجار قريش وأمنائهم. ولمّا هاجر ردَّ عليه النبي زوجته زينب بعد ستة أعوام على النكاح الأول وقد كانت زوجته.

وفاته

توفي سنة 12هجرية/ 633م، بعد وفاة النبي_ صلى الله عليه وسلم_  بسنة واحدة.

قصة المقولة

ذهب أبو العاص إلى النبي_ صلى الله عليه وسلم_، قبل البعثة، وقال له: أريدُ أنْ أتزوّج زينب ابنتك الكبرى. فقال له النبي: لا أفعل حتى أستَأذِنهَا.
ويدخل النبي_ صلى الله عليه وسلم_، على زينب ويقول لها: ابن خَالتكِ جاءني، وقد ذكر اسمكِ، فهل تَرضِينهُ زوجاً لك؟
فاحمَرَّ وَجههَا وابتسمت، فخرج النبي وأعلمهُ بمُوافقتها، وتزوّجت زينب أبا العاص بن الربيع، وكان يُحبّها حبّاً شديداً. وأنجبت منه ‘علي’ و ‘ أمامة ‘.

وعندما بُعِثَ النبي_ صلى الله عليه وسلم_، وأصبح نبيّاً؟ كان أبو العاص مسافراً في تجارةٍ له، وحين عاد وجدَ زوجتهُ زينب قد أسلمت. فدخل عليها من سَفَرهِ، فقالت له: عندي لك خبر عظيم.
فقام وتركها. فاندهشت زينب وتَبِعتهُ وهي تقول: لقد بُعثَ أبي نبيّاً وأنا أسلمت.
فقال: هَلّا أخبَرتِيني أولاً؟ قالت له: ما كُنتُ لأُكذِّب أبي. وما كان أبي كذَّاباً، إنّه الصادق الأمين، ولست وحدي.. لقد أسلمت أمّي وأسلم إخوتي، وأسلم ابن عمي” علي بن أبي طالب، وأسلم ابن عمتك” عثمان بن عفان، وأسلم صديقك” أبو بكر”.
فقال لها:” أمّا أنا لا أحبُّ أنْ يقول الناس خَذلَ قومهُ، وكَفرَ بآبائهِ إرضاءً لزوجته؛ وما أباكِ بِمُتَّهم”.
ثمَّ قال لها: فَهلَّا عَذَرتِ وقَدّرتِ؟
فقالت له: وَمَن يَعذِر إنْ لمْ أعذِر أنا؟ ولكنْ أنا زوجتكَ أعِينُك على الحقِّ حتى تَقدِر عليه.
وظَلَّ أبو العاص على كُفره، ثمَّ جاءت الهجرة النبوية، فذهبت زينب إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وقالت: يا رسول الله،أتَأذنُ لي أنْ أبقى مع زوجي. فقال لها النبي_ صلى الله عليه وسلم_: ابقِ مع زوجكِ وأولادك.

وَبَقيت زينب بمكة إلى أنْ حدثت غزوة بدر، وقرّر أبو العاص أن يخرج للحرب في صفوف جيش قريش، يُريد زوجها أنْ يحارب أباها؛ وكانت زينب تَخاف هذه اللحظة، فتبكي وتقول:” اللّهم إنّي أخشى من يوم تُشرق شمسهُ فَيُيَتَّم ولدي أو أفقِد أبي.

ويخرج أبو العاص بن الربيع ويشارك في غزوة بدر، وتنتهي المعركة بانتصارِ المسلمين، فيُؤْسَر أبو العاص بن الربيع، وتذهب أخباره لمكة،
فتسأل زينب: وماذا فعل أبي؟ فقيل لها: انتصر المسلمون.
فتسجد شكراً لله. ثم سألت: وماذا فعل زوجي؟ فقالوا: أسَرهُ محمّد.
فقالت: سأرسِل في فِداء زوجي، ولمْ يكُنْ لديها شيئاً ثميناً تَفتدي به زوجها، فَخَلعت عِقدَ أمهَا خديجة، الذي كانت تُزيِّن به صَدرها، وأرسلت العِقد مع شقيق أبي العاص بن الربيع إلى رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_.

وكان النبي جالساً يتَلقَّى الفِديَة ويُطلق الأسرى، وحين رأى عِقد السيدة خديجة سأل: هذا فداء من؟
قالوا: هذا فِداء أبو العاص بن الربيع. فبكى النبي_ صلى الله عليه وسلم_، وقال: هذا عِقد خديجة، ثمَّ نَهض وقال:” أيها الناس؛ إنّ هذا الرجل ما ذَمَمناهُ صهراً، فَهلّا فَككتُم أسرَهُ؟ وهلّا قَبِلتم أنْ تَردوا إليها عِقدها؟ فقالوا: نعم يا رسول الله.
فأعطاهُ النبي العِقد، ثمَّ قال له: قُلْ لزينب لا تُفرّطي في عقد خديجة.
ثمَّ قال له: يا أبا العاص هل لكَ أنْ أسَارِرَك؟
ثمَّ تَنَحّى به جانباً وقال له: يا أبا العاص إنّ الله أمَرنِي أنْ أُفرِّقَ بين مُسلمة وكافر، فَهلَّا رَدَدت إليَّ ابنتي؟ فقال: نعم.
وعادَ إلى مكة، وخرجت زينب تستقبل أبا العاص على أبواب مكة ،
فقال لها حين رآها: إنّي راحل. فقالت: إلى أين؟
قال: لستُ أنا الذي سَيرتَحِل، ولكنّكِ أنتِ سَترحَلين إلى أبيكِ. فقالت: لم؟ قال: للتَّفرِيق بيني وبينك، فارجعي إلى أبيكِ.
فقالت: فهل لكَ أنْ تُرافقنِي وتُسْلِم؟ فقال: لا. فأخذت ابنها وابنتها وذهبت إلى المدينة المنورة.
وبعد 6 سنوات كان أبو العاص قد خرج بقافلةِ تجارةٍ من مكة إلى الشام في ألفِ بعير، وأثناء عودتهِ من الشام، وعندما اقترب من المدينة التقى بسريّةِ من سرايا النّبي_ صلى الله عليه وسلم_، فيُؤسَرُ بعضهم ويهرب البعض الآخر. وكان أبو العاص من الهاربين، ويأتي إلى المدينة ويَسأل عن بيت زينب، ويَطرُق بابها قبيل آذان الفجر، فسألته حين رأتهُ: أجئت مسلماً؟ قال: بل جئت هارباً. فقالت: فهل لكَ إلى أنْ تُسلم؟ فقال: لا.
قالت: فلا تَخَف. مرحباً بابن الخالة. مرحباً بأبي عليّ وأمامة.
وبعد أنْ أمَّ النبي المسلمين في صلاة الفجر، إذا بصوت يأتي من آخر المسجد يقول: قدْ أجَرتُ أبا العاص بن الربيع.
فقال النبي: هل سَمِعتم ما سَمِعت؟ قالوا: نعم يا رسول الله .
قالت زينب: يا رسول الله إنّ أبا العاص إنْ بَعُد فابن الخالة، وإنْ قَرُب فأبو الولد وقد أجرتُهُ يا رسول الله.
فوقف النبي_ صلى الله عليه وسلم_، وقال: يا أيها الناس إنّ هذا الرجل ما ذَممتهُ صِهراً، وإنّ هذا الرجل حدَّثنِي فَصدقنِي، ووَعدنِي فوفّى لي. فإنْ قَبِلتم أنْ تَردُّوا إليه مالهُ وأنْ تتركوه يعود إلى بلده، فهذا أحبّ إليّ، وإنُ أبَيتُم فالأمر إليكم والحق لكم ولا ألومكم عليه.
فقال الناس: بل نُعطهِ مالهُ يا رسول الله.

فلمَّا جاء لأخذهِ قالوا له:” يا أبا العاص، إنك في شَرَفٍ من قريش، وأنت ابن عم رسول الله وصِهرهِ، فهل لك أنْ تُسلم، ونحن نَنزِل لك عن هذا المال كُلّه فَتَنعَم بما معك من أموال أهل مكة وتبقى معنا في المدينة”

فقال لهم:” بِئسَ ما دَعوتُمونِي أنْ أبدأ ديني الجديد بغَدرةٍ”.

ويمضي أبو العاص بالعِيرِ وما عليها إلى مكة، فلمَّا بَلغَها أدَّى لكلِّ ذِي حقٍّ حقَّهُ، ثمَّ قال:” يا معشر قريش؛ هل بَقِيَ لأحد منكم عندي مال لمْ يأخذهُ؟

قالوا:” لا.. فقد وجدناك وفيَّاً كريماً”، قال:” أما وإنّي قد وفّيتُ لكم حقوقكم، فأنا أشهد أنْ لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله ما مَنعنِي من الإسلام عند محمد في المدينة إلّا خَوفي أنْ تَظنُّوا أنّي إنَّما أرَدتُّ أنْ آكل أموالكم، فلمَّا أدَّاها الله إليكم، وفَرَغَتْ ذِمّتي منها أسلَمت”.

ثمَّ ترك مكة وذهبَ إلى المدينة ودَخلهَا فجراً، وتوجه إلى النبي، وقال: يا رسول الله أجَرتَنِي بالأمس، واليوم جئتُ أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنّكَ رسول الله.
وقال أبو العاص بن الربيع: يا رسول الله هل تَأذَن لي أنْ أراجِع زينب؟
فأخذه النبي وقال: تعال معي، ووقف على بيت زينب وطرَقَ الباب وقال: يا زينب إنّ ابن خالتك جاء لي اليوم يَستَأذِننِي أنْ يُرَاجعَكِ، فهل تَقبلين؟ فأحمرّ وجهها وابتسمت.
وبعد سَنة من هذه الواقعة تُوفّيا السيدة زينب بنت النبي_ صلى الله عليه وسلم_، فَبكاها بُكاءً شديداً حتى رأى الناس رسول الله يَمسَحُ عليه ويُهوّن عليه، فيقول له:” والله يا رسول الله ما عُدّتُ أطِيقُ الدنيا بغير زينب”.
وتوفّي بعد سنةٍ من موت زينب زوجته.


شارك المقالة: