اقرأ في هذا المقال
- فيم يضرب مثل “كل فتاة بأبيها معجبة”؟
- قصة مثل “كل فتاة بأبيها معجبة”
- رواية أخرى لقصة مثل “كل فتاة بأبيها معجبة”
تمتلك الأمم التي تحيا على هذه البسيطة ثقافتها الخاصة بها، ولعل من أهم الموروثات الثقافية: الأمثال والحكم، والتي تعبّر بدورها وتصور الكثير من الأحداث والمناسبات، والتي حصلت خلال التاريخ، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل، مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر.
فيم يضرب مثل “كل فتاة بأبيها معجبة”؟
الكثير من المواضيع لم تغب عن مخزون أمثالنا العربية حتى أنها أصبحت مضربًا حتى يومنا هذا، ومن الأمثال على ذلك المثل القائل “كل فتاة بأبيها معجبة”، وقد كانت العجفاء بنت علقمة السعدي أول من قالت هذا المثل، وما هو إلا إحدى الثمرات التي نقطفها من شجرة الأمثال العربية، حيث أن لكل مثل رواية تناقلتها الأجيال، فالعديد من الفتيات يجعلن من والدهن قدوة لهن في الكثير من الأمور فيجدن فيه بوصلة للانقياد إلى شخصيته، وهذا الأمر ليس معممًا غير أن الشواهد على ذلك كثيرة، دون إلغاء لدور الأم وشخصيتها بالطبع، ويُضرب هذا المثل في عجب الإنسان برهطه وعشيرته.
قصة مثل “كل فتاة بأبيها معجبة”:
أما صاحبة المقولة فهي العجفاء بنت علقمة السعدي، من بني سعد، وهي من ربّات الفصاحة والبلاغة وضرب الأمثال، وعلى الرغم من قلّة الأخبار والروايات عنها غير أنها تُعدّ فَصيحة جاهلية وبليغة اللسان، ويُقال أن والدها علقمة كان بخيلًا وجبانًا.
أما قصة مثل “كل فتاة بأبيها معجبة” فيُروى أن العجفاء بنت علقمة مع ثلاث من النساء من قومها خرجن فاتعدن
” أي تواعدن” بروضة يتبادلن فيها الحديث، فوافَين بها ليلًا في قمر زاهر وليلة طلقَة ساكنة وروضة معْشبة خصبة، فلمّا جلسن قلن: ما رأينا كاللّيلة ليلة، ولا كهذه الروضة روضة، أطيب ريحًا ولا أنضر، ثم أفَضن “بدأن وتوسعن” في الحديث؛ فقلن: أيّ النساء أفضل؟ قَالت إحداهن: الخرود “قصدت ذات الحياء” الودود “المتودّدة لزوجها” الولود، بينما قَالت الأخرى: خيرهن ذات الغناء وطيب الثناء وشدّة الحياء، قَالت الثالثة: خيرهن السموع “التي تسمع لزوجها” الجموع النفوع، غير المنوع، وأما الرابعة فقالت: خيرهن الجامعة لأهلها، الوادعة الرافعة “أي التي ترفع من شأن أهلها وأهل بيتها”، لا الواضعة.
ثم إنهن تساءلن وقلن: فأيّ الرجال أفضل؟ فقالت إحداهن: خيرهم الحظي الرّضي غير الحظال “والحظال يُقصد به: المقتر المحاسب لأهله على ما ينفقه عليهم، ولا التبال “أي الرجل الذي يضفي على حديثه شيئًا من المتعة والطرافة والاهتمام”، أما الثانية، فقالت: خيرهم السيد الكريم، ذو الحسب العميم والمجد القديم، وأضافت الثالثة: خيرهم السخي الكريم الوفيّ الذي لا يغير الحرّة، ولا يتخذ الضرّة، ثم قَالت الرابعة: وأبيكن إنّ في أبي لنعتكن كرم الأخلاق، والصدقَ عند التلاق، والفلج “أي الفَوز والظفر بالشيء” عند السباق، ويحمده أهل الرِفاق، عند ذلك قالت العجفَاء: “كل فتاة بأبيها معجبة”.
رواية أخرى لقصة مثل “كل فتاة بأبيها معجبة”:
في روايات أخرى أن إحدى النساء قَالت: إن “أبي يكرِم الجوار ويعظم النار وينحر العشار “أي صغار الإبل” بعد الحوار، ويحل الأمور الكبار”، أما الثانية، فَقَالت: “إن أبي عظيم الخطر، منيع الوزر، عزيز النفر، يحمد منه الورد والصدر”، ثم قالت الثالثة: “إن أبي صدوق اللسان، كثير الأعوَان، يروي السنان عند الطعان”، وقَالت الرابعة: “إن أبي كريم النزال، منيف المقَال، كثير النوال، قليل السؤال، كريم الفَال”.
اختلفت النسوة فيما بينهن، كل واحدة تحاول أن تقنع الأخريات أن أباها أفضل وأعظم الرجال، فقمن باللجوء إلى كاهنة تقطن معهن في الحيّ، فقلن لها: أيتها الكاهنة، اسمعي الذي قلنا، ثم احكمي بيننا، واعدلي، ثم إنهن أعدن عليها قولهن، فقالت لهن: إن كل واحدة منكن ماردة “والماردة هي المرأة الناضجة”، على الإحسان جاهدة، لصواحباتهَا حاسدة، ولكن اسمعن قولي: خير النساء المبقية على بعلها “زوجها”، الصابرة على الضراء، مخافة أن ترجع إلى أهلها مطلقة، فهي تؤثر حظ زوجها على حظ نفسها، فتلك الكريمة الكاملة، وخير الرجال الكريم الجواد البطل، القليل الفشل، إذا سأله الرجل ألفاه، قليل العلل، كثير النفَل، ثم قالت: ما أرى إلا “أن كل واحدة منكن بأبيها معجبة”، ومنذ ذلك الوقت أصبحت عبارتها مثلًا يُضرب هذا في عجب الإنسان برهطه وعشيرته.