يا رب؛ لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك

اقرأ في هذا المقال


صاحب المقولة

عقبة بن نافع بن عبد القيس بن لُقيط بن عامر بن أمَيَّة بن الظَّرب بن أميَّة بن الحارث بن فِهر بن مالك بن النَّضر،( قريش). وأمُّهُ هي سلمى بنت حَرمَلة؛ وتُلقَّب بالنَّابغة، وقد أخِذت سَبِيَّة من بني جُلَّان بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار.

قِيل أنَّ الصحابي” عمرو بن العاص”، هو ابن خالته؛وقِيلَ خَاله، وقِيل أخوهمنأمّهِ.

وتذكر مصادر التّاريخ الإسلامي، أنَّ ولادةَ عُقبَة كانت في عهد النبي محمد_ صلى الله عليه وسلم_؛ وتذكر بعض الرّوايات؛ أنَّ عُقبة وُلِد قبل وفاة النبي_ صلى الله عليه وسلم_؛ بسنة واحدة في سنة 631م، أي سنة 10هـ. ولكنَّ هذه الرِّواية تَتَنافى مع الواقع؛ فالثَّابت تاريخيّاً أنَّ عُقبَة قد شَهِد فتح مصر مع عمرو بن العاص واختط بها. أي أنّهُ وُلِدَ ، وكانَ فَتِيَّاً في بداية الدّعوة الإسلامية.

حياته

بَرزَ واشتُهِر اسم”عقبة” مُبَكِّراً في ساحة أحداث الفتوحات الإسلاميّة، التي بدأت تَتَّسع بقوةٍ في عهد الخليفة عمر بن الخطّاب؛ فقد اشترك هو وأبوه نافع في الجيش الذي توجه لفتح مصر، بقيادة عمرو بن العَاص، والذي تَوسَّم فيه خيراً وشأناً في حركة الفتح الإسلاميّ، فأرسله إلى بلاد النُّوبة والسودان لفتحها، فلاقى هناك مُقاومة شَرِسة من النُّوبِيّين، ولكنّه مَهَّد السَّبيل أمام من جاء بعده لفتح هذه البلاد. ثمَّ أسند إليه عمرو بن العاص، مَهمَّة قيادة دوريَّة استطلاعية لدراسة إمكانية فتح الشمال الأفريقي، وتأمين الحدود الغربية والجنوبية لِمصر ضِدَّ هجمات الرُّوم، وحلفائهم الأمازيغ؛ ثم شارك معه في المعارك التي دارت في شمال إفريقيا( تونُس حاليّاً)، ثُمَّ ولاه عمرو بن العاص، على مدينة بُرقَة في ليبيا بعد فتحها، وعاد إلى مصر.

تَعاقَب عِدّة وُلَاة على مصر بعد عمرو بن العاص، ومنهم عبدالله بن أبي السَّرح، ومُحمّد بن أبي بكر، ومُعاوية بن حُدَيج وغيرهم، وأقَرَّ جميعهم عقبة بن نافع في منصبه كقائد لحامية بُرقة، ولكنَّ عمرو بن العاص اختار عُقبَة في الحروب؛ وقِيل بأنَّ ذلك لمْ يَكُن لِصلَة القَرابة بينهما؛ بل لأنّه يَعرف مَهارته في المبارزة والقتال.

فتوحات عُقبة بن نافع

ظَلَّ عُقبة بن نافع في منصبه قائداً لِحَاميةِ بُرقة، خلال عهدي عثمان بن عفّان، وعلي بن أبي طالب_ رضي الله عنهما_؛ ونأى عن أحداث الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وصبَّ اهتمامه على الجهاد ونشر الإسلام بين قبائل البَربَر، ورَدِّ غزوات الرّوم.

وبعد أنْ استَقرَّت أمور المسلمين عام 41 هـ؛ وأصبح معاوية بن سفيان؛ خليفةً للمسلمين؛ أصبح مُعاوية بن حُدَيج والياً على مصر؛ وأُرسل عقبة إلى الشمال الأفريقي في حملة جديدة لمواصلة الفتحِ الإسلامي، الذي توقفت حركته أثناء الفتنة بين علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان.

يبعث معاوية بن حُدَيج بعَشرةِ آلاف فارس إلى عُقبة بن نافع، فأوغل بهم في بلاد المغرب، حيث تغَلغَلَ في الصحراء بقوات قليلة وخفيفة لشنِّ حرب عصاباتٍ خاطفة في أرض الصحراء الواسعة ضدَّ القُوّات الرّوميّة النظامية الكبيرة، التي لا تستطيع مُجَاراة المسلمين في الحرب الصحراوية، واستطاع عقبة وجنوده أنْ يَقضُوا على الحاميات الرُّوميّة المختلفة في منطقة الشمال الأفريقي؛ حتى أتى وادياً فأعجُب بموقعه، وبنى به مدينته المشهورة وسمَّاها القَيروان؛ أي مَحطّ الجُند، ذلك أنّها تُعتبر قاعدة الجيش الإسلامي المُتقدمة والواغلة في المغرب الكبير؛ كما بنى بها جامعاً لا يزال حتى الآن يعرف باسم”جامع عُقبة”. وهكذا أصبحت القيروان قاعدة حربية لتأمين الخطوط الدفاعية الإسلامية في المنطقة، ونقطة انطلاق لنشر الإسلام بين السكان هناك.

وفاته

ولمّا عادَ عُقبة للولاية ثانيـةً عام (60 هـ)؛ سار بقوّاتـهِ غرباً حتى وصل المحيـط الإطلسي” بحر الظُّلمات “؛ عام (62 هـ)، وهو أقصى مكانٍ وصلتهُ جيوش المسلمين، فتوقّف حِينَئـذٍ وهو على صهوة جوادهِ، وقال:” يا ربِّ لولا هذا البحرُ لمضيتُ في البلاد مُجاهدًا في سبيلك، أنشر دينكَ المبينَ، رافعًا راية الإسلام فوقَ كل مكانٍ حصينٍ، استعصى على جبابرة الأقدمين”.

وفي أثناء عودة عُقبة بن نافع إلى القيروان، فاجأهُ (كُسَيْلةُ بن لَمزم)، القائد العسكري الأمازيغي، وقَتلَ معه” أبا المُهاجر دينار”؛ ثُمَّ قَتلَ” زُهير بن قيس البلويّ”، كُسَيلة؛ في ذلك العام أو في العام الذي يليه، ويروي البعض أنَّ عقبة بن نافع كان مُستَجاب الدَّعوة.

وقد استُشهِد عقبة بن نافع سنة 63هجريّة، بعد أن غزا السُّوس القُصوى، في مكان يُعرف حتى الآن باسم” سِيدي عقبة بالجزائر”، في معركة مع الملكة الأمازيغية” دِيهيا”، والمعروفة باسم الكاهنة، وهو الاسم الذي أطلقه عليها الفاتحين العرب.

وقد أوصى أبناءه ألَّا يقبلـوا الحديث عن رسـول اللـه_ صلى اللـه عليه وسلم_، إلّا من ثِقة، وألّا تُشغلهم الإمارةُ عن القرآن.


شارك المقالة: