لا شك في أنَّنا سنجد اختلافاً بين آليات التَّغيير وآليات التَّغير، وهـذا استنتاج منطقي سليم من النَّاحية النَّظرية ولا غبار عليه، ولكن الفرق لن يكون فـي حقيقـة الأمر إلا في مستوى التَّخطيط لأن أي تغيير لن ينجح إلا إذا لبس لبوس التَّغير الـذي يفرض إيقاعه على المجتمع بسهولةٍ كبيرة.
آليات التغيير الاجتماعي:
ومن ثم فإن آلية التَّغيير هي ذاتهـا آليـة التَّغير مع مراعاة أنَّها تسير هنا وفق برنامج مخطط يديره فريـقُ عمـل مختص، ولذلك يرى كيرت ليوين أن أي تغيير اجتماعي مخطط عليه أن يقدر عدداً كبيراً من العوامل المميزة لحالة خاصة.
فالتَّغيير يمكن أن يتطلب مجموعـة مـن المقاييس التعليمية والتنظيمية الفريدة من نوعها إِلى حد ما ويمكن أن يعتمد علـى معالجـات مختلفة تماماً أو أيديولوجيا أَو توقع أو تنظيم على الرغم من ذلك لا بد أن ننظـر دائماً إِلى بعض المبادئ الشَّكلية العامة.
يمكن القول إن آلية التَّغييـر مرتبطة بالغاية المرسومة وخاضعة لها، بحيث تُسخَّر كلُّ الظُّروف والمعطيات الممكنة لتحقيق هذه الغاية، إذا كان إحداث تغير ما محددا أمرا برغبة الفاعل وهذا ممكن جداً فـإن مـا يتلو هذا التَّغيير من عواقب أمر غالباً لن يكون بإرادة الفاعل التحكم به أَو وتوجيهه.
فإن تحقيق التَّغيير المطلوب أمر ممكـن وهو قيد الضبط والتحكم، ولكن ليس ثمة ما يضمن حدوث تغيرات أُخرى مرافقة لـم تكن موجودةً في الحسبان، وربما تكون غير مرغوب فيها ولا مرجوة.
إن من يسعى إِلى إحداث تغيير معين في مجتمع معين إنما يبحث عن تحقيـق نتيجةٍ أَو غايةٍ محددة هي الَّتي تعنيه، ولذلك لن يكـون مكترثـاً بظـروف المجتمـع وخصائص المرحلة الَّتي يعيشها هذا المجتمع إلا بمقدار ما يمكن أن يستفيد من هـذه الظروف والمعطيات أَو يلتف إليها من أجل إحداث التغير المرغوب فيه.
ما دام التَّغيير مرتبط في غاية محددة وواضحة لدى الفاعل فإن صيرورة التغييـر وخطواته وآلياته ومراحله مرتبطة بالغاية التي ترتبط بالفاعل، ولذلك قَد يكـون برنـامج التغييـر مرسوماً لعشرات السنين، والكثير من المراحل والخطوات الكبـرى. وربمـا يتعـرض البرنامج أَو المخطط للتعديل أَو التغيير مع الزمن والنتائج التي تظهرها صيرورة التغيير.
نتائج التغيير الاجتماعي:
على الرغم مما سبق إليه من ضرورة ضبط المخطط وبرنامج العمل لإحداث التَّغيير، فإن الدقة مهما كانت متناهية فإنها ليست بالضرورة مضمونة النَتائج، المؤكد أن نتائج ما ستنجم عن برنامج التَّغيير ولكنها غير معروفة بالضرورة إنَّهـا فـي إطار التوقع، ولكِنها تعلو على ذلك بأن لها أرجحية كبرى للتحقق، واحتمالية تحققها تكون أعظمية إذا ما قورنت باحتمالات الإخفاق.
قد يؤدي إليه حوار ذكي قصير أو تجربة مبرمجة وقد يوجد هناك العديد من التَّجارب التي أثبتت هذه الحقيقة منها التجربة التي قام بها مظفر شريف في جامعة أوكلاهوما الأمريكية، والتي أسماها كهف روبير، بين فيها كيف استطاع في غضون أسابيع قليلةٍ أن يجعل مجموعتين من الأطفال الأسوياء، في سن الحادية عشرة، في حالة من العداء الشَّديد، ومن ثم كيف استطاع القيام بعكس العملية نهائيـًا مـن دون أي تـدخل مباشر علما بأن الأطفال كانوا متصادقين حتى لحظة البدء بالتجربة.
تغيير ميول بنية اجتماعية فهو أمر معقد جداً ربما يستند إلى آليـة تغييـر قناعات فرد أو مجموعة أفراد وهذا أمر شبه مؤكد ولكنه أعقد من ذلك بكثير ولذلك فإنه يحتاج إلى مخطط معقد أيضاً ومدروس بعناية فائقة من قبل فريق من المختصين المحترفين، وهو يحتاج إلى نفس طويل وخطة مديدة الزمن وأكثر ما يحتاج إليه هـو السرية.
ومما يتميز به التغير الاجتماعي كذلك صفة الديمومة، ولكنها ديمومة تعتبر نسبية مرهونة بالأحداث الجديدة والمتغيرات التي تحدث في المجتمع من ناحية، وبالأمور التي أدت إلى التغير في ناحية أخرى. فإذا فرضت الظروف على مجتمعٍ نوع من التغير، فإن البنية الاجتماعية تتسم أصلاً بالمرونة الكافية لهضم أي ضغط خارجي أو داخلي واستيعابه فـي إطـار جملة من التغيرات الكافية للتعايش معه إلى أن ينتهي الظَّرف الضاغط.
ومثل هذا مـا حدث بشكل أصبح واضح في المجتمعات الاشتراكية التي تمّ احتلالها من قِبل الاتحـاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية أو تم وضعها تحت وصاية الاتحاد السوفيتي وبصورة أَو بأخرى كل هذه المجتمعات مرّت بظروف ضاغطة لم تجد سبيلاً من التعامل معها بشكل مرن فحدثت بفترات مختلفة تغيرات اجتماعية كثيرة لابتلاع الظروف والمعطيات الجديدة، ولكِنَّها مع ذلك ما إن أتيحت لها الفرصة المناسبة حتَّى انقلبت خلال أزمنة قياسية بسرعتها على عشرات السنين مـن التعايش مع ظروف مخالفة.