يجرون العلماء أبحاثهم حول نطاق الاختلافات الطبيعية في عوامل الطقس أو الموسمية أو المناخ ويبحثون عن التغييرات في أنماط الجريمة التي تتعلق بالتغيرات في تلك العوامل، فأولاً ليس هناك شك في أنّ الظروف الجوية الشديدة القسوة تؤثر على أنماط الجريمة تمامًا كما تؤثر على جميع الأنشطة البشرية الأخرى، فإذا ضرب إعصار مدينة مع رياح مستدامة تصل سرعتها إلى 100 ميل في الساعة فسوف تنخفض عملية السطو خلال ساعات وجود تلك الرياح، وهذا ليس بسبب عدم وجود لصوص متحمسين في المدينة أو بسبب عدم وجود منازل أو أعمال تجارية غير محمية بها أشياء ثمينة، ولكن في الواقع ربما يكون هناك المزيد من المنازل غير المحمية لأنّ الأفراد الذين لديهم موارد قد أخلوا المنطقة.
الجريمة والمناخ
على الرغم من أنّ الاختلافات في المناخ وتأثيره على الناس كانت بمثابة تفسيرات لمعدلات الجريمة المختلفة في الكثير من الأدبيات المبكرة حول الطقس والجريمة، فقد تم استبعاد تأثير المناخ على الجريمة إلى حد كبير، وكانت الملاحظات المبكرة التي قادت علماء الجريمة إلى اقتراح التأثيرات المناخية على الجريمة هي الاختلافات الجغرافية في معدلات الجريمة، ففي الولايات المتحدة كان هذا على وجه الخصوص معدلات القتل الأعلى باستمرار الموجودة في الجنوب.
كما أنّ معدلات القتل في الجنوب كانت أعلى من أي منطقة أخرى في الولايات المتحدة منذ أن تم جمع البيانات حول الجريمة، ولقد أصبحت فحوصات العلاقة بين الجنوب ومعدلات جرائم القتل معقدة بشكل تدريجي على مدى المائة عام الماضية، وتطور جدل كبير في علم الإجرام حول ما إذا كان الارتباط بين القتل والجنوب يرجع إلى الاختلافات الثقافية (خاصة بين الأقلية السكان) أو الاختلافات الهيكلية على طول الخطوط الاقتصادية، ولكن المهم هو أنّه في عشرات المقالات العلمية المنشورة حول هذا السؤال منذ الستينيات لم يعد المناخ يعتبر تفسيرًا محتملاً.
ربما تكون الأبحاث التي أجراها ديفرونزو قرب نهاية القرن العشرين قد أهدت حجة المناخ والجريمة بشكل فعال، وبعد التحكم في المتغيرات غير المناخية كان للمناخ ارتباطات ضعيفة وغير مباشرة مع معدلات الجريمة، فوجد ديفرونزو أنّ الظروف الاقتصادية والتوسع الحضري والتركيبة السكانية لا تزال هي المؤشرات الأولية لمعدل الجريمة الإجمالي، ومرة أخرى مع استمرار الجدل حول أي من الثلاثة يحمل القوة التفسيرية الأساسية.
من هذا تحول البحث في البداية نحو التأثيرات الموسمية على الجريمة، وبعد ذلك عندما منحت أجهزة الكمبيوتر القدرة على إجراء أبحاث معقدة بشكل متزايد على قواعد البيانات الكبيرة بشكل متزايد تحول علماء الجريمة إلى فحص عوامل الطقس قصيرة المدى وأكثر دقة.
الجريمة والطقس
على الرغم من أنّ نتائج البحث التي تختبر تأثير النطاق الكامل لمتغيرات الطقس تختلف من دراسة إلى أخرى، إلّا أنّ هناك أدلة قوية إلى حد ما على وجود علاقة بين الجريمة ودرجة الحرارة، مع دعم أقل لمثل هذه العلاقة بين الجريمة والرطوبة أو هطول الأمطار أو التغيرات في الضغط الجوي، ووجدت بعض الدراسات المعزولة بعض تأثير الغيوم أو هطول الأمطار أو الضغط الجوي على الجريمة ولكن معظم الأبحاث التي تستخدم هذه المتغيرات لا تفعل ذلك.
يبدو أنّ درجة الحرارة فقط هي التي تنتج نتائج متسقة نسبيًا على مر السنين، وعلاوة على ذلك تم فحص درجة الحرارة بعدة طرق مختلفة، وتم اختبار درجة الحرارة الخام الأساسية بالإضافة إلى الانزعاج الناتج عن إضافة الرطوبة إلى مؤشر درجة الحرارة والرطوبة (يُسمى في الأصل مؤشر الانزعاج)، وتم فحص درجة الحرارة المسجلة في فترات زمنية قصيرة تصل إلى 3 ساعات، وكذلك تأثير درجات الحرارة المرتفعة باستمرار على مدى عدد من الأيام، وبغض النظر عن كيفية اختباره ففي دراسة أو أخرى وجد أنّ ارتفاع درجة الحرارة يرتبط بزيادة الاعتداء والقتل والاغتصاب والسرقة والسطو والسلب والعنف المنزلي.
تأثير الطقس على الأنشطة الروتينية
وجدت الدراسات التي فحصت مزيج تأثيرات الطقس والتأثيرات الزمنية على أنماط الجريمة أنّ هناك علاقة بينهما، وتماشياً مع نظرية الأنشطة الروتينية تكون جرائم الشوارع أعلى باستمرار خلال عطلات نهاية الأسبوع عندما ينخرط الناس في المزيد من الأنشطة الترفيهية ويكون لديهم المزيد من الوقت في أيديهم، ويكونون أكثر عرضة لتعاطي الكحول ويزداد احتمال مغادرة منازلهم لأماكن ترفيهية أخرى.
نتيجة لذلك من المرجح أن تقلل عطلات نهاية الأسبوع من الوصاية على جرائم مثل السرقة والسطو، ومن المرجح أن تضع المجموعات الديموغرافية ذات النزعة العالية للجريمة العدوانية (الشباب الذكور) في مواقف الترفيه التي تنطوي على الكحول، وفي اتصال مع أهداف مناسبة للعدوان ( أي شيء من الذكور إلى الإناث)، مع ما يصاحب ذلك من زيادة في القتل والاعتداء المشدد والاغتصاب والسرقة.
لا تؤثر درجة الحرارة بشكل عام على الجريمة فحسب بل يبدو أيضًا أنّها تزيد أو ترفع من تأثير ذلك اليوم من الأسبوع على الجريمة، وتزداد الجريمة باستمرار في عطلات نهاية الأسبوع ولكن تظهر الأبحاث أنّها تزداد في عطلات نهاية الأسبوع الأكثر حرارة من عطلات نهاية الأسبوع الباردة، وأخذ هذا الأمر إلى أبعد من ذلك وقدم ليبو ولانغوورثي ملاحظة ثاقبة مفادها أنّ الزيادة في مكالمات الجريمة والشرطة للخدمة خلال أشهر الصيف لا ينبغي بالتالي اعتبارها غير عادية، وذلك نظرًا لأنّ الإجازات من العمل والمدرسة هي في الأساس عطلات نهاية الأسبوع الممتدة.
تأثير الطقس على تعامل مع الضغط
لذا فإن نماذج الأنشطة الروتينية مدعومة بقوة بالبيانات الموسمية والخاصة بالطقس ولكن ماذا عن الإجهاد؟ فقد قام الباحثون الذين درسوا الاعتداءات في دالاس خلال أوائل الثمانينيات بتقسيم الأحياء إلى حالة متدنية وحالة متوسطة ومكانة عالية، ووجدوا أنّ الارتباط بين الانزعاج الناتج عن مزيج من الحرارة والرطوبة خلال الصيف، وزيادة الهجمات الشديدة خلال تلك الفترة كان أكثر وضوحًا بشكل ملحوظ في الأحياء ذات المكانة المنخفضة، ويتناسب هذا تمامًا مع الحجة القائلة بأنّ القدرة على التعامل مع زيادة التوتر وعدم الراحة بمرور الوقت هي التي توفر مفتاحًا لفهم العلاقة بين الطقس والجرائم العدوانية.
ارتبطت الزيادات في الاعتداء بزيادة في مؤشر درجة الحرارة والرطوبة عبر دالاس، وأظهرت جميع فئات الأحياء الثلاثة اختلافات في التقويم مع بعض الزيادة خلال أشهر الصيف وذروة الهجمات خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكن الزيادة كانت أكثر وضوحًا بشكل ملحوظ في الأحياء حيث أدت العوائق الاقتصادية إلى تقييد خيارات السكان لاستيعاب الانزعاج المتزايد، وفي تلك الأحياء ذات المكانة المنخفضة خلال فترات ارتفاع درجات الحرارة، زاد الاعتداء بمعدل أعلى مما هو عليه في الأحياء الأكثر ثراءً لأنّ الفقراء أقل قدرة على التحكم في راحة منازلهم ومساحات العمل وربما يكونون أكثر عرضة للعقدة، أي مظاهر الإجهاد الحراري.
إذن إنّ معظم عوامل الطقس كالمطر والثلج والضباب وجبهات الطقس والضغط الجوي أو الرياح لا تعرض نتائج متسقة عند اختبار تأثيرها على الجرائم، وفقط درجة الحرارة تبدو مرتبطة والعلاقة قوية ومتسقة عبر معظم دراسات الطقس والجريمة أو الموسم والجريمة، وتؤدي درجات الحرارة المرتفعة أو درجات الحرارة المرتفعة جنبًا إلى جنب مع الرطوبة المرتفعة إلى حدوث مثل هذا الانزعاج، لدرجة أنّ تكيفاتنا مع الإجهاد تمتد إلى أقصى حدودها، ويغير هذا الانزعاج أيضًا أنماط أنشطتنا الروتينية بطرق تجعلنا أكثر عرضة لخطر جرائم الممتلكات والجرائم الشخصية.
على المستوى المجتمعي يتم التوسط في تأثير الطقس بشكل أكبر كل يوم من الأسبوع والتركيب الديموغرافي والمصفوفة الثقافية للسكان والبنية الاجتماعية والاقتصادية للسكان، وكما هو الحال مع العديد من الأشياء الأخرى تعدل بيئاتنا الثقافية والاقتصادية والمادية كيفية تأثرنا وكيفية استجابتنا لكل شيء نواجهه.