اقرأ في هذا المقال
أثر وتأثير علم الاجتماع في الطب:
إن علم الاجتماع الطبي جاء متأخراً بعض الشيء أي دراساته وتحليلاته الاجتماعية التي لها أثر واضح على قضايا الصحة والمرض فقد بدأت الدراسات الأولية في بدايات القرن العشرين نظراً لحاجة القطاع الصحي لهذه الدراسات وأثر العوامل الاجتماعية على الرعاية والخدمة الصحية.
ونظراً لوجود المشاكل الصحية التي نتجت عن العوامل الاجتماعية فقد أصبح لزاماً البحث والتدقيق وإجراء الأبحاث والدراسات على العلاقة الترابطية والوثيقة ما بين الاجتماع والطب، وبالتالي أثر وتأثير كل منهما في الآخر.
في بداية الدراسات الأولية لعلم الاجتماع في مجال الصحة ركزت على الارتباط ما بين الطبيب والمريض، وبالتالي دراسة الطبيب والعاملين في النسق الطبي للنواحي الاجتماعية كدراسة إلزامية عند التأهيل للعمل في مهنة الطب، أي دراسة علوم الاجتماع في الكليات والجامعات للدارسين للمهن الطبية.
وأصبح علم الاجتماع الطبي في وسط بيئة أصبح من الصعب عدم التداخل بين علم الاجتماع والطب، وبالتالي أصبح لزاماً الربط بين العلمين؛ لأن دراسة السلوك الإنساني وبالتالي السلوك المجتمعي جزءاً لا يتجزأ من دراسة العاملين في النسق الطبي للدراسات الطبية البحتة، وأصبح لهم المنصب الكبير على تعليم وتثقيف الأطباء والعاملين في المجال الصحي في النواحي النفسية والأداء الإنساني، مثل تعلم المواد الطبية البحتة ليكون مقدمة لدراسة الأمور الاجتماعية، وبالتالي الإحاطة بجميع الأمور والمشاكل المتعلقة بقضايا الصحة والمرض.
وأصبح علم الاجتماع الطبي دراسة أولية ومقدمة أساسية لدراسة الأمور والمساقات الطبية، فدراسة السيرة السلوكية للإنسان متلازمة مع دراسة السيرة الصحية له، لأنهما مرتبطتان ببعضهما لا يتجزآن وإنما يتوافقان ويكملان بعضهما بعضاً.
في أواخر الخمسينات من القرن العشرين بدأت البرامج النظرية وبالتالي العملية ﻹدراج علم الاجتماع الطبي ضمن المساقات الرئيسية في دراسة المهن الطبية، وبالتالي تطبيق العاملين في النسق الطبي للمواد النظرية عملياً من خلال التجربة العملية والتعامل مع المرضى في الرعاية والخدمات الصحية.
ولا ننسى الدراسات والأبحاث التي تنص على دراسة وضرورة معرفة العلاقة ما بين أعضاء النسق الطبي الذين يتعاملون ويعملون في مهنة واحدة وهي الطب، كذلك دراسة المتغيرات والتحولات الاجتماعية والصحية على الإنسان كالتغيرات النفسية والسلوكية والاجتماعية والاقتصادية وعلاقة وتأثير ذلك على الصحة.
المؤشرات التي توضح أثر وفعالية علم الاجتماع في المجال الصحي:
1- إن من أولويات دراسة الإنسان، هو دراسته كإنسان يتكون من نواحي عضوية وفسيولوجية، أي دراسته من جميع جوانبه المختلفة العضوية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية، وبالتالي تكامل هذه الجوانب من خلال دراسته اجتماعياً وطبياً؛ لأن تأثير أي واحدة على الأخرى كبيراً، نظراً لتأثير النواحي الاجتماعية على المريض وتأثر النواحي الاجتماعية والفسيولوجية من جراء إصابة الفرد بمرض ما، أي دراسة الإنسان كل متكامل لا ينفصل جانب عن جانب.
2- توصيف المهام لكل من الطرفين في قضية الصحة والمرض، وهما العامل في النسق الطبي والمريض، بحيث حددت المهام والوظائف لكل منهما، فمثلاً العاملين في النسق الطبي عليهم دراسة المريض اجتماعياً وطبياً وفسيولوجياً من أجل الاسترشاد إلى العلاج المناسب والمريض عليه إطاعة والتمثل لكل تعليمات النسق الطبي من أجل الإفادة من العلاج، وبالتالي تكون العلاقة ما بين العاملين في النسق الطبي والمريض مبنية على هذا الأساس.
3- توصيف المهام والوظائف للعاملين في النسق الطبي أي واجبات ومهام كل فرد في المجال حسب تخصصه وصلاحياته، فمثلاً الطبيب يشخص المرض ويعطي العلاج اللازم والمريض يقوم بتطبيق النواحي العملية التي كتبها الطبيب نظرياً والعاملين في المهن الأخرى يقومون بواجبات وظيفتهم كالعلاج الطبيعي والأشعة والتخدير والإنعاش والصيدلة والمختبرات الطبية.
4- دراسة علم الاجتماع لبعض الجوانب الموازية من جهة فسيولوجية للمريض كسلوك المرض عند المريض وثقافة المريض صحياً وأسلوب تصرفه عند الإصابة بالمرض والغاية من بحث الأفراد والجماعات عن المساعدة، وطلب الخدمة الصحية حيث أفادنا علم الاجتماع بدراسات ونظريات وقواعد تساعدنا على الإحاطة بجميع الجوانب الاجتماعية الفسيولوجية منها والصحية والتي تساعدنا على تشخيص المرض وإعطاء العلاج المناسب؛ لأي مرض أو عارض مرضي يشعر به الفرد.
5- إن بعض الأمراض العضوية تكون ناتجة عن سبب اجتماعي أو نفسي وأن بعض العوارض أو الأمراض الاجتماعية والنفسية تكون ناتجة عن سبب عضوي وصحي، من هنا نلاحظ أهمية دراسة الإنسان اجتماعياً وصحياً للوقوف على الأسباب الرئيسية والتي أدت بالنهاية إلى إصابة الشخص بمرض نفسي أو عضوي، أي أن المرض العضوي يمكن أن يكون السبب الغير مباشر نفسي أو السبب الخفي الغير منظور.
6- المتغيرات الطبيعية للبيئة واختلاف البيئة الاجتماعية تبعاً للثقافة المجتمعية السائدة، وخاصة الثقافة الصحية وتفاوت الجانب الاقتصادي، واختلاف المهن واختلاف الأصول العرقية وكثافة عدد السكان حالة خصبة لدراستها من قبل علم الاجتماع، ونتيجة لهذه العوامل والمتغيرات ستختلف الأمراض التي تصيب جزء من المجتمع عن الجزء الثاني وفئة معينة عن الأخرى، وبالتالي نوع الأمراض والرعاية الصحية وبرامج الصحة العامة وهذا ينطبق على اختلاف النواحي الصحية من مجتمع إلى آخر.
7- التمييز بين الحالة النفسية والعضوية من حيث وظيفة الأعضاء فالتعب والإرهاق وضعف الأعضاء ناتج عن الحالة النفسية المستندة إلى العمل وبذل الجهد وتحميل الأعضاء أكثر من طاقتها وتحملها أما المرض فهو ناتج عن الحالة العضوية الذي مرده إصابة أحد أعضاء الجسم بمرض معين يعيق أداء هذا العضو جزئياً أو كلياً عن أداء وظيفته على أكمل وجه، وبالتالي إصابة الشخص بحالة مرضية يجب البحث عن علاج لها.
8- المقدمات والضغوط والشد العصبي كلها عوامل أساسية لإصابة الإنسان بالأمراض العضوية الناتجة عن اختلال نفسيته وفسيولوجيته، وهذا مجال خصب للدراسات الاجتماعية لبيان ومعرفة أسباب الإصابة بالأمراض العضوية التي خلفها الاختلال النفسي والاجتماعي لحياة الأفراد، وهذا سبب مباشر لإصابة الأفراد بأمراض الجلطات والقرحة وضغط الدم والصداع النصفي.
9- الدراسة المستفيضة للطب الشعبي التقليدي كأسلوب علاجي من قبل فئة معينة من المجتمع والأسباب المباشرة وغير المباشرة للاتجاه للاستشفاء بالطب الشعبي، وخاصة في حالات يعتقد أفراد المجتمع أن أساسها وجذورها ناتج عن المعتقدات والاتجاهات النفسية مثل الصرع والأمراض النفسية والحمل عند النساء وعلاقة الطب الشعبي والتداخل ما بينه وبين الطب الرسمي وهذه حالة تدعو علم الاجتماع لدراستها والبحث فيها والغوص في أغوارها العميقة، وهذا التداخل يسمى بالطب البديل مثل الوخز بالإبر والتداوي بالأعشاب.
10- خلفية الشخص المصاب بمرض ما النفسية والاجتماعية ومعرفتها عن طريق البحث والدراسة من قبل علم الاجتماع يسهل كثيراً على الطب الرسمي معرفة الأسباب والحلول الطبية لمساعدة الشخص على العلاج واختصار أسلوب التعامل مع المرض خاصة الأمراض النفسية والاجتماعية التي يجب على أعضاء النسق الطبي معرفتها وتحليلها، وبالتالي إيجاد العلاج اللازم لكل حالة وعلاج الحالة بأسهل الطرق.
11- هناك عدة منظمات وهيئات وجمعيات تساعد وتساند الحكومات والأفراد والمجتمع في القضاء على الأمراض وخدمة الطب مثل منظمة الصحة العالمية والجمعيات التخصصية في مجال أمراض معينة، وهنا يأتي دور علم الاجتماع لدراسة الهيكل التنظيمي وبناء هذه المنظمات لعلاقتها المباشرة بقضيتي الصحة والمرض، ونظراً لقرب وعمق العلاقة ما بين هذه المنظمات والحكومات وأعضاء المجتمع تدعونا إلى إعطاء هذه العلاقة صفة مميزة وواجبة للدراسة والبحث والتمحيص.