أحداث جبهة المشرق في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك

اقرأ في هذا المقال


جبهة المشرق في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك:

حصل عهد هشام بن عبد الملك أحداثاً وأموراً صعبة كانت نتيجتها أن كل ما تملكه الدولة قد تقلص في العديد من الأماكن، وذلك لأن قدرة عماله وولاته على التصرف ليست كبيرة، بالإضافة لرفض بعض الجماعات العربية الإشتراك في الغزوات، وفي عام 110هـ أرسل أشرس بن عبد الله السلمي والي خراسان لأهل سمرقند وبلاد ما وراء النهر، الذين لا يزالون على دينهم يدعوهم للإسلام، ويعفيهم من دفع الجزية.
تلقَّت دعوة الأشرس الكثير من القبول وأكثر مما كان يتوقع، وأدَّى ذلك إلى هبوط الخراج وأصبح من الصعب تدبير المال الازم لتدبير شؤون الدولة، وعندما أحسَّ الوالي بذلك وكان لا بُدَّ من إيجاد حل ليعيد التوازن للخزينة، فأرسل إلى حاكم سمرقند أن من اختتن وأقام الفرائض وقرأ سورة من القرآن فليرفع عنه الخراج.
ولكن محاولة الجباية من الأشخاص الذين دخلوا في الدين الإسلامي حديثاً لاقت معارضة كبيرة، ودفعتهم للجهر في نقمتهم وسخطهم واللجوء إلى خاقان التُرك، وتعاون الطرفان حتى يقوموا بطرد المسلمين من البلاد، وتقابلوا عن آمل ولم يحسب أي طرف منهم الوضع لصالحه، ولذلك دخلوا في مفاوضات اتفقوا بها بأن ينسحب المسلمون من بعض بلاد ما وراء النهر وبما فيهن بُخارى.
وبسبب تراجع المسلمين واضطراب الوضع في خراسان قام هشام بن عبد الملك بعزل الأشرس بن عبد الله السلمي، وجعل بدلاً منه الجنيد بن عبد الرحمن المرِّي وكان ذلك في عام 111هـ، وبسبب قلة خبرة الجنيد في محاربة الأتراك في الحدود الجبلية الوعرة، أدَّى ذلك لارتكابه العديد من الأخطاء التكتيكية أثناء لقائه معهم، وكانت النتيجة بأنه ألقى بالمسلمين في مآزق عسكرية لم يخرجوا منها إلا بشق النفس.
وبالرغم من أن الجنيد بن عبد الرحمن استطاع أن يعيد بُخارى وبعض المناطق التي انسحب منها المسلمون في عهد من قبله، ألا أنه عزله هشام بن عبد الملك عن ولاية خراسان في عام 116هـ، وولَّى بدلاً منه عاصم بن عبد الله الهلالي، وتعمَّد الخليفة بأن يحدث تنظيمات إدارية جديدة في خراسان؛ حتى يستطيع معالجة الأوضاع المتردية، حاصةً بما يتعلق بوضع القبائل العربية.
وبعد أن أحجم غالبية القبائل العربية عن الانضمام للغزوات؛ بسبب حياة الاستقرار التي وجدها اتباعها، فأمر الوالي بأن يقوم بإسقاطهم من ديوان الجند وأن يكتفي بأن يجند خمسة عشر ألف جندي منهم، وكما سمح بالقبائل الموالية بأن تسكن في مرو وهي مركز الولاية، كما أنه قام بنقل بعض القبائل المعارضة إلى خارج المدينة؛ حتى يدعم مركزه العسكري، وأمده الخليفة بقوة عسكرية تقدر بعشرين ألف.
تراوحت ردود فعل القبائل العربية في خراسان بين تأييد ورفض مطلقين، وذلك وفق مصلحة كل قبيلة منهم، فاعتبرت القبائل التي أُخرجت من مرو أن تصرف الخليفة أقرب لأن يكون نفيٌ واستبعاد، وأن خروجهم منها سيحرمهم من أي مكاسب ستأتي للدولة والتي حصوا عليها نتيجة إقامتهم الطويلة في مرو، وأنهم هذه المكاسب ستنتقل للقادمين الجدد.

تمرد الحارث بن سريح ضد سياسة هشام بن عبد الملك:

وفي عام 116هـ حصل أول تمرد عسكري بسبب هذه السياسة المرفوضة لدى البعض، وكانت هذه الحملة بقيادة الحارث بن سريح الذي ذهب إلى بلخ وهو لابس الأسود؛ وذلك تعبيراً عن نقمته على الأمويين، وقام بالتحالف مع خاقان الترك، كما انضم الهياطلة لهذا التحالف، وكان يجمعهم العداء إلى بنو أمية على الرغم من اختلاف أهدافهم، واصطدوا مع الوالي وهاجموا مرو.
وكما يبدو أن تحالف القبائل العربية مع الحارث بن سريح أمراً مرحلياً، وكان قد تأثر بالهياطلة الموجودون في صفوفه، ومما دفعهم للانسحاب والعودة إلى صفوف الوالي، كما أن الموالي انضموا إلى الجيش الأموي؛ وذلك تحسباً من خطر غزو الهياطلة لبلادهم، وبذلك يكون انفرط عقد التحالف بعد أن انسحب الهياطلة وتراجع خاقان الترك.
ويبدو أن عاصم بن عبد الله الهلالي أدرك بعد تجربته القصيرة في خراسان أن آل البيت لهم نفوذ كبير، وأنها لا تصلح إلا إذا انضمت للعراق القريب من مركز القيادة، فكتب إلى هشام بن عبد الملك وأخبره بذلك، واقتنع بوجهة نظره فعزله عن خراسان وضمها إلى خالد بن عبد الله القسري مع العراق، وجعل عليها أخاه أسد.
وتابع أسد الحرب مع الحارث بن سريح وقاتل الترك في طخارستان وانتصر عليهم، كما أنه قام بمحاربة الخارجين عن الحكم، فقام بتحقيق الأمن وخاصةً على الطرق التجارية، وتوفي في بلخ عام 120هـ، فقام هشام بجعل شيخ مضر وهو نصر بن سيار والياً، وتابع نشاط أسلافه وأعاد السيادة الإسلامية لحوض نهر سيحون، وقام بحل مشكلة الخراج فحوَّل الجزية من المسلمين إلى غير المسلمين، فبلغت خراسان في عهده درجة من الأمن والرخاء.


شارك المقالة: