دور النزعة العربية عند الأمويين في سقوط الدولة الأموية

اقرأ في هذا المقال



انتشرت النزعة العربية بشكل واضح في أوساط الأمويين الذين مالوا للعرب، وظهر في ثلاث اتجاهات، وهي: الاتجاه السياسي، الاتجاه الاقتصادي والاتجاه الاجتماعي.

الاتجاه السياسي في النزعة العربية:


كان مصدر هذه التفرقة السياسية، هو الاتجاه الأموي نحو التميز للعرب، وأيقظت روح التذمر بينهم بسبب هذه المعاملة، وليس هناك ما يدين الأمويين إذ هم في الأصل فرع من قريش، ولكنهم لم يتأقلموا على المتغيرات التي حدثت على الوضع الإسلامي بعد الفتوحات التي حصلت، وبعد دخول الكثير من غير العرب للدين الإسلامي، ولم يستطيعوا استيعاب التغييرات على العقيدة الإسلامية والانقلاب الجذري الذي حدث.
ورافق حياة الدولة الأموية بروز حركات الموالي الذين نقموا على العرب، ونتج من ذلك صراعات طبقية قومية، وقاموا بتشكيل إحدى القوى التي عملت على سقوط الدولة الأموية، ولأنهم كانوا الفئة التي تُعطي أكثر مما تأخذ، وببداية نشأة الدولة الأموية خرجت حركة من الموالي في الكوفة، واضطر معاوية حينها لمواجهتهم، وقام بتهجير بعض منهم إلى بلاد الشام.
وفي عهد يزيد زادت حركة الموالي وضوحاً، ولأن عدد مسلمين البلاد المفتوحة قد ازداد عددهم، وبدأوا يشكلون طبقة ذات قيمة عالية في المجتمع، واتخذوا مواقف مميزة من الحركات المناهضة للحكم الأموي، فقاموا بمساندة ابن الزبير؛ لأملهم في أخذ الحقوق التي حرموا منها في العصر الأموي، وكانت قوتهم بارزة جداً في حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان هذا بداية التحالف بين الفرس والشيعة.
وكانت هذه المواقف تعبيراً عن حقوقهم، وبالرغم من أنهم لم يأخذوها بأكملها، وفي عهد عمر بن عبد العزيز تبدلت السياسة الأموية، وكانت سياسته تقتضي على التوفيق بين التيار الإسلامي ومصالح الدولة الأموية، وقد نجح في تهدئة الوضع وتسكين الفتن، ولكن لم يستمر هذا بعد وفاة عمر، فقد عادت التفرقة بين العرب والموالي.

الاتجاه الاقتصادي في النزعة العربية:

أما الاتجاه الاقتصادي، فقد قام الأمويون باتباع سياسة تقتضي على حرمان الموالي من جميع امتيازاتهم المادية، وقد حققت لهم بعض الامتيازات ولكن في ما بعد سببت لهم الإضطرابات التي أدت إلى زوال ملكهم، واستمر التذمر الاقتصادي للموالي في كل مكان، وكان موالي خراسان أكثرهم تذمراً، وخاصةً أنهم أول من أسلم من غير العرب، وشاركوا في الحروب مع المسلمين ضد الأتراك في بلاد ما وراء النهر وضد الهند في السند.
وبالرغم من كل هذه الامتيازات فقد حرموا من حقوقهم، وظهرت آثار ذلك في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، فقد فرض لهم معاوية خراجاً شهرياً قيمت خمسة عشر درهماً، وعبد الملك زادها إلى عشرين درهماً، وأصبحت في عهد سليمان بن عبد الملك خمسة وعشرون درهماً، ثم تطورت إلى ثلاثون في عهد هشام بن عبد الملك، وهذا دليلاً إلى تطوُّر أوضاعهم.
وبسبب الوضع المالي الذي كان صعباً ولأن الجزية تناقصت تدريجياً إلى أن اختفت، وباعتبار الجزية مورداً مهم من الموارد في بيت المال، فقام الحجاج بإبقائها على من أسلم حديثاً، ولأن حركة الدخول إلى الإسلام زادت كثيراً، بدأ الخراج بالتناقص، وأصبح نظام الأراضي عشرياً، أي أنَّ المسلمون لن يدفعوا كثيراً مقابل الزرع الذي يزعونه، وبهذا قد يقل الخراج من الأراضي كما قلَّت الجزية.
ثم بدأت حركة النزوح من القرى إلى المدن؛ بهدف الحصول على العطاء والميزات الاقتصادية الجديدة، وقام المهاجرون بإنشاء بيوت حول المدن؛ لخدمة الأرستقراطية العربية، خاصة في مجال المهن والصناعات الحرفية، وبسبب الأرباح التي تقاضوها تشجَّع الآخرون على الهجرة، فأصبح العراق وإيران مشبعاً بالعاطلين عن العمل الذين دفعهم الفقر للذهاب إلى الشيعة والعباسيين.
وبالرغم من السياسات التي اتبعت مع الموالي، ألا أنهم عملوا على التحالف مع الدعوة الهاشمية، سواء العلوية أو العباسية، فاستغل العباسيون ذلك وقاموا باستخدام نقمة وغضب الموالي على الأمويون، للسيطرة عليهم، وكانت هذه الظاهرة الاقتصادية سبباً مهماً في سقوط الدولة الأموية.

الاتجاه الإجتماعي في النزعة العربية:

ومن النواحي الاجتماعية، كان الموالي يمرون بتطور في منطقة العراق وخراسان، حيث أن الفتح الإسلامي في تلك المناطق قام بالقضاء على الطبقية، وحرروا طبقات العمال والمزارعين الذين كانوا يعيشون حياة بائسة، وبعد تحررهم نتجت طبقة وسطى قامت على العيش باالمدن واحراز الثروات، وظهر بعضهم بالفقه والأدب، وبعد حصول ذلك شعروا انهم لا يقلون مستوى عن العرب، فأنشوا طبقة كانت أساساً للحرة العباسية فيما بعد.
ومن جهة أخرى بدأت الهجرة العربية للبلدان المفتوحة بالاتساع، وسكن العرب في المدن، وعاشوا أيضاً في القرى وقاموا بامتلاك المزارع وحدث تطورين مهمين لهم حينها، وكان الأول أنهم تركوا حياة البادية وعملوا بالزراعة وتأثروا بالعادات الاجتماعية للبلدان التي هاجروا إليها.
أما التطور الثاني فكان أنهم حملوا بذور الانقسام بين عرب الجنوب وعرب الشمال، حيث اتضح هذا النزاع في خراسان، حيث تمت إقامة الدولة العباسية على أكتاف اليمينيين بالمشاركة مع الموالي، وحصل بعدها ضعف العنصر العربي، الذي أدى لظهور القوة الفارسية، وهذا التطور يعتبر عاملاً مهماً لسقوط الدولة الأموية.

المصدر: كتاب تاريخ الدولة الأموية، محمد سهيل طقوشكتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار، علي محمد صلابيكتاب الدولة الأموية والأحداث التي سبقتها ابتداء من فتنة عثمان، يوسف العشكتاب أطلس تاريخ الدولة الأموية، سامي بن عبدلله بن احمد المغلوث


شارك المقالة: