أسماء مصر القديمة

اقرأ في هذا المقال


أسماء مصر القديمة:

تُعد مصر بلداً عريقاً سخياً، قام أجدادها الأوائل بإطلاق اسم كيمة على أرضها بمَعنى السمراء والسوداء والخمرية، رمزاً منهم إلى لون تربتها ودسامة غرينها وكثافة زرعها. وكان لاسمها عدة مشتقات تؤدي معناها فقالو (بانكيمة) و (باتا نكيمة)، بمعنى أرضنا السمراء أو السوداء واعتبروا صفة السمرة أو السواد فيها ميزة تميّزها عن اصفرار الصحراء المحيطة بها والتي أطلقوا عليها اسم (دشرة) بمعنى الحمراء، دليلاً منهم على شدة جذبها إضافة على أسماء أُخرى مثل(خاسة، ومرو، ونو) وهي نعوت تؤدي معاني الخلاء والفقر والبادية.

وشابه العرب المصريين في تصويرهم اللفظي لأرض الزراعة، حين أطلقوا على أرض الجزيرة بالعراق اسم أرض السواد لسواد تربتها وكثافة زرعها وللتمييز بينها وبين الصحاري التي تحيط بها. وذكر  الأجداد اسم كيمة في نصوصهم بروح التكريم، فكان من فراعِنتهم من يقول في أحاديثه (عملت على أن تصبح كمية بأهلها فوق رأس كل أرض) وكان منهم يذكر ويفتخر في نصوصه بأنه (من ثمرات كيمة) وأيضاً كان أدباءهم من يفخر في مقدمة كتابه بأنه (ثمرة كاتب من كيمة) وتنوعت أسماء مصر إلى جانب اسم كيمة ولم يكن هذا التعدد بدعاً في عرف أصحاب الحضارات القديمة ومنهم المسلمون الأوائل الذين أطلقوا تسعة وعشرين اسماً على مدينة يثرب.

أشهر أسماء مصر:

ومن أشهر أسماء مصر وأقدمها في عصر الفراعنة ومتونها الرسمية اسم (تاوی) بمعنى الأرضين، أرض الصعيد (تاشمعو) وأرض الوجه البحرى (تامحو). وهو اسم ابتدعه أصحابه منذ أواخر الألف الرابع ق.م تقديراً ويرجع السبب في إطلاقه  بوجود الاختلافات الإقليمية اليسرة في مظاهر البيئة بين الطرفين وما وصل إليهم عن استقلال كل منهما بأوضاعه السياسية القديمة قبل بداية عصورهم التاريخية خلال الألف الرابع ق.م .

وفي طوال فترة عصورهم القديمة حافظوا على تضمينه (أي تضمين اسم تاوى) في ألقاب فراعنتهم التزاماً منهم على  عادة التقليد من جانب، ومن جانب آخر ليؤكدوا، تئام شمل الوجهين في طاعتهم في ظل وحدة حضارية وسياسية موحدة ومتكاملة، وظلت صلات مصر بالنيل والفيضان والزراعة صلات لا تنفصل في تصورات المصريين عن أرضهم وتسمياتهم لها فعبّر كتابهم عنها باسم (إبدبوی) بمعنى الضفتين أو أرض الضفتين؛ وذلك بسبب تركّز عمرانها على أطراف نيلها العظيم. وذكروها باسم (تامري) وحتى الآن لم يتضح اسم معناه القديم ومن المحتمل أنه كان يعني أرض الفلاحة أو أرض الحياض وقد يكون له علاقة ورابط باسم الدميرة الذي يطلقه بعض المزارعين في ريفنا المعاصر على أرض الفيضان حتى الآن.

ولم يكتفي الأجداد بالتعبير عن بلدهم بأوصافها الطبيعية، إنما أضاف أدباءها عليها نعوتاً شعرية ممتعة ووصفوها بأنها (إبرة) بمعنى عين الشمس أو عين رب الشمس، سموها أيضاً (وچاة) و (إترتى) بمعنى ذات المحاربي وسموها (باقة) بمعنى الزيتونة نسبة إلى خضرتها الدائمة وسموها بأسماء عدة أُخرى لم تتضح معانيها المقبولة حتى الآن(مثل بيا، سنوة، وإستى) وبقوا أكثر حرصاً على وصفها بنعوتها الشعرية طوال فترة عهود المحن السياسية التي حلّت بها على أيدي الفرس والإغريق والرومان في عصورها المتأخرة تأكيداً منهم على افتخارهم بها على الرغم من تضييق أعدائهم عليها ورغبة منهم في التأثير عن قوميتهم التي عانت من خلل السطور التي سجلوها علانية على جدران المعابد والنصب الخاصة بها.

أكثر الأسماء شهرة لمصر:

مهما تعددت هذه  الأسماء والصفات، فإن أكثر اسمين عرفهما العالم الخارجي لمصر وذكرتها نصوصه أكثر مما ذكرة المصريون القدماء أنفسهم، هما: اسم مصر ومرادفاته واسم (إيجيبتوس) ومرادفاته.

 أقدم المصادر الخارجية المعروفة التي سجلت اسم مصر:

كانت في رسالة أرسلها أمير کنعاني إلى فرعون مصر خلال الربع الثاني للقرن الرابع عشر ق.م، كتب فيها إلى أنه قد يضطر إزاء تهديد جيرانه له إلى إرسال أهله إلى (ماتو مصري) أي إلى أرض مصر (ولفظة ماتو لفظة أكدية الأصل تعني معنى الأرض وأضافت رسائل أخرى من الفترة  ذاتها عدة أسماء قريبة من لفظ  أسماء: (مَشِری) و (مِصِّرى) في لوحة وجهها صاحبها إلى فرعون مصر واسم (مِصَّرِي) في لوحة أشورية أرسل بها صاحبها إلى فرعون مصر أيضاً وإسم «مصري» في نص رأس الشمرا في شمال سوريا، واسم  (مصرم) في نص فينيقي من أوائل الألف الأول ق.م أو نحوها.

وعادت النصوص الآشورية فذكرت اسم مصر خلال القرون التاسع والثامن والسابع ق.م . بعدة صور فكتبته مُصُرى ومُصُر وليس من المستبعد إطلاقاً أن تؤدي الكشوف الأثرية المقبلة إلى إظهار وثائق مصرية تذكر اسم مصر في مراحله، لكن حتى تظهر هذه الوثائق يمكن ترتيب الآراء المحتملة في ضوء المصادر المعروفة حتى الآن في تحليل اسم مصر ومرادفاته القديمة، في أربعة آراء تنتهي جميعها إلى اعتباره لفظا سامياً مشتركاً يؤدي معاني الحاجز والسور والحد، ويترجم على صفتي الحصانة والحماية.

 تحليل اسم مصر ومرادفاته القديمة:

أن يكون اسم مصر صورة لفظية ومعنوية لكلمة مصرية قديمة مثل (كاة مچر) التي كانت تعني معنى الدرء ومعنى البلد المكنون أو المحصور واشتُقت على الأغلب من كلمة (جرو) التي تعني  الحد أو من كلمة چری بمعنى السور أُضيفت إليها ميم المكانية فأصبحت مجر وكتبت بعد ذلك بصور عديدة مثل (مجرى) و (إمجر).

  • أن يكون (اسم مصر) ذا رابط  بكلمة سامية كنعانية تتفق معه في حروفه الأصيلة على معنى يتشابه مع خصائص بلده ، مثل كلمات مَصّر و مصَرّا و ماصّور  التي كانت تعني معاني المكان المسوا والحصن والحامية، وتشبهها في ذلك الكلمات الآرامية مُصر ومَصَرُو  ومصرا بمعنى الحد والناحية، وربما الكلمة الآشورية (موصور) بمعنى أرض الحدود أيضاً.
  •  أن يكون عبرى الاشتقاق من كلمات متشابهة في اللفظ مثل صر وصور ومِصُورا، ومصوروت، وهي كلمات تعطي في مضمونها معاني الحدود والمواضع المحصورة المحصنة ، وذلك مع ملاحظة تشابه كلمة (صر) فيها (تجمع على صرر) مع الكلمة  المصرية صرو (أو چرو) لفظاً ومعنى وأيضاً إضافة حرف الميم إليها دون أن يغير شيئاً لمعناها.
  •  أن يكون ذا صلة بمفهوم العرب لكلمة مصر وهو لا يختلف كثيراً عن مفهوم المصريين والفلسطينيين له، حين رووا أن المصر يعني الحاجز بين الشيئين والحد بين الأرضين، وجمعه مصور وحين قالوا: مصّروا الموضع جعلوه مصرا، وتمصر الموضع فصار مصرا أي تمدين، ورووا أن أهل مصر في صدر الإسلام كانوا يكتبون في عقودهم اشترى فلان الدار بمصورها أي بحدودها.

الإغريق وتسمية مصر:

أطلق الإغريق اسم (آيجو بتوس) على النيل وأرض النيل في نفس الوقت، منذ عصر شاعرهم (هوميروس) على أقل  تقدير، ثم حصروه على مصر نفسها .ثم كتبه الرومان بعدهم آيجيبتوس، وانتشر بعد ذلك في اللغات الحديثة ومرادفاته المألوفة (Egypt , Egypt,egypten , Egitto) على الرغم من عدم استخدامنا له إطلاقاً، وعلى الرُغم من أن أجدادنا لم يستخدموا مرادفه القديم المحتمل في غير القليل النادر.

ومن المحتمل أن أقرب الأسماء المصرية المحتملة إلى اسم آیجوبتوس ومشتقاته هو اسم آجی الذي خمنه الباحث (Edward Navile)، ومترادفات (آجب وآجبة  و إجب وإ كب….) كانت جميعها مترادفات دلّت المتون المصرية منها إلى الماء الأزلي الذي ظهرت الأرض منه، و إلى النيل والفيضان، وربما إلى الأرض المغمورة بالفيضان أيضاً وذلك على نحو ما عّبرَ الإغريق في العصور المتأخرة باسم آيجوبتوس عن النيل وأرض النيل سوياً، بعد أن حوّروا كتابته إلى ما يتفق مع نطقهم له و بعد أن أضافوا في نهايته حرفي الواو والسين الذين اعتادوا على إضافتها إلى نهاية أغلب مسمياتهم.


شارك المقالة: