لا يستطيع المرء أن يخفي دهشته واستغرابه من تفاقم ظاهرة الإيمان بالخرافات بين كثيرين من الذين يقابلهم في كل يوم، وبين هؤلاء قد يكون مسؤولون وأساتذة جامعيون وإعلاميون كبار، ولربما يقول في نفسه إن الوضع لم يكن على هذه الشاكلة قبل بضعة عقود.
الخرافة تستوطن هذا القرن:
تستدرج هذه الظاهرة الكثير من الباحثين والدارسين للتعمق في أسباب انتشار ظاهرة الخرافات، رغم كل هذا التقدم العلمي والتقني حولنا، يعرض البعض تفسيرًا لانتشار الخرافات حتى في المدن، وقد يتقبله العقل بتحفظ، وهو أن المدن قد تحولت خلال العقود الماضية إلى قرية كبيرة، وقد انحسرت المدن في السلوك والطباع والأخلاق، وسيطرت القرية من ناحية السلوك والنظافة والسياسة، كما يبني البعض هذا التفسير على اعتقاد راسخ بأن الفتاوى العجيبة التى انتشرت كالنار فى الهشيم، هي جزء أصيل فى مسؤولية تحويل المدن إلى قرى.
لا شك أن هناك صحوة على مستوى العالم تجاه الخرافات والاعتقاد والإيمان بها، وهي تنتعش في الصين، كما فى الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وهي منتعشة حدّ الذروة فى العالم العربي والإسلامي، والاعتقاد أن لهذا الانتعاش صلة بالأزمات المالية والاقتصادية، وكما أنها ترتبط بالآثار المباشرة وغير المباشرة لمسيرة ونهج العولمة على جميع المجتمعات، ومنها هجرة عشرات الآلاف من دول الجنوب إلى دول الشمال، وكذلك هجرة الملايين من الريف والقرى في الدول العربية والهند وغيرها من الدول إلى العواصم والمدن، ومنها كذلك أزمات الحكم والسياسة والتي دفعت ملوكًا وأمراء ورؤساء إلى تشجيع تداول وتناقل الخرافات لتتسلى بها الشعوب فتبتعد عنها.
كانت الخرافات متأصلة منذ قدم حضارات البشر، حيث أن الكثير منها قد وقف صامدًا فى مواجهه التحولات التاريخية العظيمة، كالأديان والاحتلال والهجرات، وقد يتسائل المرء ويبحث حتى يتيقن من أن هناك خرافات كثيرة موجودة بنفس المضمون والنص فى أرجاء متباعدة على وجه الأرض، فنجد على سبيل المثال، خرافة الدق على الخشب، والتي تفسر على أنها لدرء الحسد، فهي تنتشر فى ثقاقات عديدة، ويؤكد بعض الباحثين في التاريخ أنها موجودة منذ قديم الزمان، وذلك منذ اقتناع الناس بأن الأشجار تحمي الأرواح الطيبة.
كما نجد كذلك خرافة القطة السوداء والتي عُدّت نذيرًا للشؤم وهي متوارثة متناقلة منذ أقدم الحضارات، عدا الحضارة الفرعونية بالطبع والتي قدست القطط، نحن وغيرنا كُثُر حول العالم نعتقد أن تحطُّم المرآة إشارة إلى بداية أيام أو سنوات عجاف، وهذه كذلك ترجع إلى أيام الرومان والإغريق الذين اعتقدوا أن المرآة تسلب شيئًا من روح من ينظر فيها.
الأمر الذي يلفت الانتباه هذا الاهتمام الغريب الذي قدمته شعوب عديدة فى أيام خلت إلى خرافة نهاية العالم، إذ تقضي عقيدة المايا فى أمريكا الوسطى منذ مئات السنين بأنه يستحيل أن يتعايش الإنسان مع الرقم 13، ولهذا كان التنبؤ بنهاية العالم والكون قبل حلول 2013.
وبالتأكيد لم ينفرد هنود أمريكا بهذ ا الاعتقاد بل كتب الكثيرون عبر التاريخ عن الرقم 13 وأسباب كراهية الشعوب له، كما قيل أن رواية العشاء الأخير، الذي شارك فيه مع السيد المسيح إثني عشر حواريًا، سبب من أسباب تلك الكراهية، شىء مماثل يقال عن خرافة التشاؤم من يوم الجمعة، وهي كذلك من الخرافات السائدة فى معظم الثقافات، يرجعونها إلى أن المسيح مات يوم جمعة، وأن آدم وحواء أُخرجا من الجنة يوم جمعة، وطوفان نوح وقع يوم جمعة.
ما أكثر الخرافات التي اشتركت فيها شعوب كثيرة من الثقافات المختلفة في الاعتقاد، فمثلاً خرافات كالتشاؤم من طير واقف على نافذة غرفة، أو أن يُبارك المرء إنسانًا يعطس، إذ أن العطسة تقوم بطرد الشيطان، وفى رواية أخرى هي إعلان موت للحظة يتلوها مباشرة العودة للحياة، وكالتفاؤل بخصلة شعر من طفل ولد حديثاً.
قامت إحدى الصحف التايلاندية بنشر تحقيق حول الاعتقاد السائد بأن الكوارث قد يعقبها بالضرورة خير كثير، فالناس في تايلاند يتبركون بمواقع الحوادث التي يروح ضحية لها العشرات، لدرجة أنهم قاموا ببناء كنيسة عند مفترق طرق وقعت فيه حادثة ذهب ضحية لها العديد من المارة.
حيث يزور مئات من الناس هذه الكنيسة بشكل يومي، ويتركون على جدرانها طلبات يتمنون أن تلبيها أرواح الذين قضوا في هذا المكان، كأغرب خرافة قد تسمع عنها، وكما يعتقد السياميون وهم سكان تايلاند، أن تلك الأرواح من الممكن أن تزورهم أثناء نومهم وتملي عليهم أرقام أوراق اليانصيب الفائزة، لذلك تراهم يذهبون أفواجًا وجماعات إلى مواقع تحطّم الطائرات واصطدام السيارات والقطارات ليحصلوا على رقم في الحادث أو على رقم السيارة المحطمة أو عدد المصابين والقتلى لأنه سيكون حتمًا رقمًا سعيدًا، وتزداد فرص الحظ كلما كانت الجريمة أبشع، فالجريمة البشعة تخلف أرواحًا قوية قادرة على تنفيذ ما يُطلب منها.