إشكاليات الثقافة المعاصرة وآفاقها المستقبلية
في ظل ما تستجده كافة المجتمعات الثقافية المعاصرة من تحديات وتحولات ثقافية من جهة معينة، كذلك هناك التحولات الثقافية والايديولوجية التي أصابت العديد من الأفكار والنظم والمشاريع ومن جهة أخرى، هناك الطفرات المعرفية التي شهدتها الفلسفة الثقافية وعلوم الإنسان، والتي أسفرت عن انبثاق قراءات جديدة للحداثة وشعاراتها حول العقل والحرية والتقدم.
ومن جهة أخرى، يوجد هناك مجموعة كبيرة من الثقافات العلمية والتقنية والمعلوماتية تلك التي تتفاوت معها في مساق حضاري جديد، ولعلَّ أحد أهم سمات أزمة الحوار الثقافي المعاصر تكمن في محاولة التعرّف على عناصر ومكوّنات ثقافة العولمة وأدواتها الوظيفية، وكذلك ما تنطوي عليه من قضايا: الثقافة الوطنية، والهوية الحضارية، والخصوصية القومية.
وبناء على كل ذلك، يبدو أنه من المهم أن يعمل المرء على إعادة هيكلة وترتيب أفكاره الثقافية، بما يمكّنه من فهم وتشخيص هذه التحولات العميقة في المقدمة، ومن ثم الانخراط في تحويل وتغيير الواقع الثقافي في اتجاه التكيّف الإيجابي مع معطيات وتحولات العالم المعاصر.
وبالنسبة لدول العالم، تنحصر الثورات المعرفية والتكنولوجية والمعلوماتية المعاصرة على تحديات وأخطار وفرص تمسّ الكيان العميق للأمم، وتعرّضها لما يسمى بـصدمة المستقبل.
كذلك تزداد الأخطار الثقافية سلبياً وبشكل ملحوظ، بسبب ما تعانيه الثقافات نفسها من مجموعات عوامل الضعف المتمثلة في: قلة التعليم وتخلّف برامج التربية والتعليم عن حاجات المجتمعات ومتطلبات العصر، ونقص الحريات وعدم شمولية السياسات الثقافية، وضعف الصناعات الثقافية، وسيادة الإعلام السطحي.
وإذا كانت الأمة قد خسرت العديد من لحظات الانتماء والفعل في التاريخ الثقافي المعرفي الكوني، خاصة في العصر الثقافي الحديث، فإننا في الوقت الراهن نقف مكتوفي الأيدي أمام ثقافة العولمة. فبالرغم من المحاولات الجسورة لنخبة رائدة من المفكرين في عصر النهضة، بمرحلتيها الأولى والثانية، فإنّ العالم ما زال يسرف في أغلال التقليد، ويضع قيوداً متعددة على حرية التفكير والتعبير.
ومع العصر الرقمي والانفجار المعلوماتي الثقافي والاقتصاد المعرفي في زمننا هذا، يبدو أنّ مسارات اليوم قد تعدت كافة أساليب النهضة الثقافية إلى ما بعدها، ولذا لا غنى عن تجديد المصطلحات وإعادة صياغة الإشكاليات.