إنشاء وزارة المعارف في عهد الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود

اقرأ في هذا المقال


الحركة الإصلاحية في مجال التعليم:

لقد أدرك الملك عبد العزيز رحمه الله أنّ الجهل باب واسع للفوضى في جميع مناهج الحياة، لذا عزم على محاربة هذا العدو اللدود وانطلق من النصوص الشرعية التي تحث على هذه الصفة الحميدة والتي فيها يقول الله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ. سورة الزمر (9). صدق الله العظيم. فحظي التعليم في عهد الملك عبد العزيز بأهمية بالغة وركز في بدايات مسيرة التعليم على القرآن الكريم وعلى أمور الدين وتعليم العقيدة الصحيحة.

وبدأ في حركته الإصلاحية الكبرى والتي شملت التعليم، فانتشر في الحضر والبادية حيث افتتحت الكتاتيب والمدارس في الهجر والمدن والقرى. وكانت البدايات للتعليم النظامي قد حدثت في قبيل منتصف القرن الرابع عشر الهجري بعد أن تم للملك سعود توحيد أقاليم دولته، ففي عام 1334/ 1929 ميلادي صدر الأمر الكريم بإنشاء مديرية المعارف وكانت مهمتها إدارة أمور المعارف التي حددتها التنظيمات الأساسية للدولة والتي تنص المادة 23 فيها على أن أمور المعارف العمومية عبارة عن نشر العلوم والصنائع وافتتاح المكاتب والمدارس وحماية المعاهد العلمية مع فرط الدقة بأصول الدين الحنيف.

وفي عام 1357/ 1938 ميلادي صدر نظام جديد لمديرية المعارف جعلها تشرف على التعليم بالمملكة ما عدا التعليم العسكري وأهم ملامح هذا النظام يعد مدير المعارف هو المرجع الأول في المديرية وله الحق في إصدار أي تعليمات لا تعارض مع النظام ويشكل مجلس المعارف من ثمانية أعضاء، عضوين من المديرية وستة من أعضائها يعينهم نائب الملك ممن لهم خبرة بالتعليم.

ومن صلاحيات مجلس المعارف إقرار المناهج، وتأسيس المدارس وإيفاد البعثات العلمية والإشراف على الاختبارات، حيث يقضي النظام بتشكيل هيئة إدارية تتكون من المفتش الأول رئيساً والمفتش الثاني والمفتش الثالث ورئيس مكتب المعارف ومدير المعهد العلمي السعودي ومدير مدرسة تحضير البعثات.

وأوكل إلى الهيئة وضع التقارير الخاصة بخطط المعارف ومشروع مناهج التعليم وتوزيع المدرسين على المدارس واقتراح فتح مدارس جديدة. ويقضي النظام أيضاً بتأسيس هيئة للتفتيش تتكون من المفتش الأول رئيساً وعدد كاف من المفتشين. ولقد ظل هذا النظام ساري المفعول حتى إنشاء وزارة المعارف وبعد إن بدأ عهد الإصلاح والتجديد وأصبحت للبلاد ميزانية منظمة،  حيث زاد التطور العلمي في البلاد بعد اكتشاف البترول والذي وفر لها أموالاً ضخمة زادت معها ميزانية التعليم، فأخذ التعليم يتطور ويتجه في أسلوبه ومادته إلى أسلوب التعليم الحديث ومادته مبتعداً عن أساليب التعليم القديم.

ومن هنا أخذت تظهر العديد من المدارس النظامية الحكومية  وإن كانت في بداية الأمر بشكل ضيق؛ بسبب ضعف ميزانية المديرية. لكن بدأت هذه الميزانية تزيد مع تطور الدولة اقتصادية، ففي عام 1371/ 1952 ميلادي بلغ عدد المدارس 191 مدرسة ابتدائية وعدد طلابها  23835 طالباً ويعمل بها 934 مدرسة، بالإضافة إلى 8 مدارس ثانوية عدد طلابها 723 وعدد مدرسيها 79 مدرسة.

وانتشرت هذه المدارس بأنواعها الحكومية والأهلية في مختلف المدن والقرى والهجر داخل مناطق المملكة بفضل الرعاية التي أولاها الملك عبد العزيز للتعليم، إلى جانب الثروة الاقتصادية (البترول) التي قفزت بالتعليم قفزة عملاقة كانت قائمة على قواعد ثابتة وراسخة على ديننا الإسلامي الحنيف. ثم جاء عهد الملك سعود الذي كان عصراً مميزاً في مجال التربية والتعليم فواصل ما بدأه المؤسس وزاد اليه الجديد وطوره.

فامتاز عصر الملك سعود بأن التعليم لم يقتصر على البنين بل فتح الباب على مصراعيه لتعليم الفتاة، لذلك شهد عهد الملك سعود تطوراً عظيماً في هذا المجال، خاصة إذا علمنا أنّ اهتمامه بالتعليم كان بارزاً منذ كان ولياً للعهد. والكثير من خطبه كانت توضح هدفه العلمي ومن ذلك قوله: ” نصيحتي لشباب العرب عامة، وشباب هذه البلاد خاصة أن يتخلقوا بأخلاق أبائهم من السلف الصالح، وأن ينسجوا على منوالهم في الإيمان والعزيمة، وأن يتزودوا من العلم النافع، وأن يملؤوا أوقات فراغهم بالمطالعة المفيدة، والتفكير في كل ما يرفع من مستوى حياتهم.

إنشاء وزارة المعارف:

يعد التطور النوعي للوزارة عندما اتسعت أعمال مديرية المعارف وتعددت الجوانب الفنية والإدارية العملية التربوية وبرزت مشكلات كثيرة، فكر الملك سعود بن عبد العزيز عند توليه العرش أنه لا بد من أن يكون للمعارف وزارة تتجاوب مع جوانب النهضة الشاملة، فصدر المرسوم الملكي الكريم في عام 1373/1954 ميلادي بانشاء وزارة المعارف وقد اتخذت وزارة المعارف مكة المكرمة مقراً لها منذ إنشائها حتى الشهر الثالث من عام 1379/ 1959 ميلادي.حينما انتقلت بجميع أجهزتها إلى مدينة الرياض.

وأسندت هذه الوزارة إلى صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز آل سعود من 1373 الموافق 1903 ميلادي إلى 1380/ 1990 ميلادي، قد ساعده مجموعة مختارة ومهرة من المثقفين الذين بذلوا قصارى جهدهم تقديراً منهم للثقة الغالية التي نالوها من مليكهم أولاً، فمارسوا مسؤولياتهم بكل نشاط وإخلاص، من هؤلاء الشيخ محمد بن مانع مدير المعارف منذ عام 1365/ 1945 ميلادي وفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ الذي عين وكيلاً للوزارة ثم تولى الوزارة فيما بعد والشيخ ناصر المنقور والشيخ عبد الوهاب أحمد عبد الواسع والشيخ إبراهيم العنقري والشيخ حامد دمنهوري.

ولقد تميز هؤلاء بكفاءتهم وخبرتهم واهتمامهم بالنهضة التعليمية، إضافة إلى هؤلاء الأستاذ محمد عبد الرحمن الفريح المدير العام لوزارة المعارف وعبد الله ناصر الوهيبي، اللذين كان لهم دور كبير في اختيار المدرسين الأكفاء وإرسالهم إلى الأماكن المناسبة. وقد استمر بعضهم في خدمة الوزارة حتى بعد توليها من قبل الشيخ عبد العزیز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ الذي تولى بعد الأمير فهد بن عبد العزيز في عام 1380/ 1990 ميلادي، ثم تولى بعده الشيخ حسن بن عبدالله بن حسن آل الشيخ من 1381 إلى 1975/ 1395 ميلادي.

النهضة التعليمية الحديثة في عهد الملك سعود:

لقد كان أول مظهر للنهضة التعليمية الحديثة هو قيام الوزارة في أخذ تنظيم جهازها الفني والإداري لتتمكن من الإشراف على التعليم إشراف مباشرة وتراقب المدارس عن كثب. وتحقيقاً لمبدأ حصر المسؤوليات قسمت الوزارة إلى الإدارات الآتية التقسيمات الإدارية لوزارة المعارف:

أولاً – مكتب وزير المعارف: هو صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز آل سعود المسؤول الأول في الجهاز التعليمي ويتبع مكتبه وكيل الوزارة وهو فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ.

ثانياً – الإدارة العامة ويرتبط بها إدارة التفتيش الإداري: واختصاصها هو التفتيش على مدارس المملكة ووضع التقارير عن سير التعليم فيها، ومدى صلاحية المديرين والمدرسين للقيام بواجباتهم المنصوص عليها في نظام المعارف.

ثالثاً – إدارة التحريرات والمحفوظات: وتختص بتسجيل كل ما يرد إلى الوزارة من رسائل مديري المدارس ورفعها إلى الجهات المختصة، كذلك يعد المكتب الرئيس الموجه للمعاملات في الوزارة، فهي التي تستقبل كل معاملة ترد إلى وزارة المعارف من المناطق التعليمية المختلفة ومن المصالح والوزارات الأخرى وهي التي تصدر المعاملات التي توجهها الوزارة إلى المناطق التابعة لها وإلى المدارس المتعددة في أنحاء المملكة، وإلى الوزارات والمصالح المختلفة. فهي الطريق الوحيد الذي بواسطته تستطيع المعاملات أن تخرج من وزارة المعارف أو تدخل إليها.

رابعاً – إدارة المستودعات: ومهمتها حفظ الكتب المدرسية المقررة والأدوات المدرسية في مستودعاتها  وتوزيعها على المدارس بحسب حاجتها إليها.

خامساً – إدارة المناطق من الناحية الإدارية: عند إنشاء الوزارة كان لا بد من إحداث إدارات جديدة تستطيع مواجهة تلك الأعباء وليس كما كان الحال في عهد المديرية حيث انحصرت المسؤولية في مدير المعارف المسؤول عن كل صغيرة وكبيرة.

الإدارات العامة في مديرية المعارف:

تكونت مديرية المعارف من الإدارات الآتية: مجلس المعارف والهيئة الإدارية وهيئة التفتيش ومكتب المعارف، حيث كان إشراف مديرية المعارف على التعليم وإدارتها في بداية تأسيسها مقتصراً على منطقة الحجاز فقط دون غيرها، ثم أصبحت هي المسؤولة عن التعليم في أرجاء المملكة وبهذا الانتشار أصبحت الحاجة ماسة لأن يكون للمديرية مندوبيات تتولى الإشراف على التعليم خارج الحجاز لكن عندما تأسس مجلس المعارف وأصبح يمثل أعلى سلطة تعليمية في البلاد.

وكانت صلاحياته التقريرية من حيث الموافقة على سياسة المعارف وتعيين المعلمين وعزلهم، كذلك وضع برامج التعليم ومناهجه ووضع جميع الأنظمة الأخرى المتعلقة بالعملية التعليمية، قد أصبحت مديرية التعليم تمثل السلطة التنفيذية لسياسة التعليم التي يضع أسسها المجلس المذكور.

ومن أجل تركيز المسؤوليات وتخفيف الأعمال عنها وتطبيق النظام غير المركزي في إدارة التعليم لتلافي المركزية التي كانت حاصلة في المديرية، فقد حولت معتمديات المعارف إلى إدارات في عهد وزارة المعارف، فأنشأت أربع إدارات التعليم في المناطق الكبرى للمملكة في كل من: نجد والشرقية والمدينة وجدة، ثم أضافت إدارات جديدة في مكة المكرمة وبلجرشي وعسير وبذلك أصبحت سبع إدارات.

وما إن جاء عام 1380/ 1991 ميلادي حتى أصبحت المناطق التعليمية هي نجد ومكة والمنطقة الشرقية والطائف وأبها والأفلاج وجدة والقصيموحائل  والوشم وسدير والباحة والقنفذة وجازان، وفي عام 1381/1992 ميلادي افتتحت إدارة في الحوطة والحريق وفي عام 1383/ 1994 ميلادي افتتح مكتب في عنيزة وكذلك افتتحت إدارة التعليم في بيشة وفي عام 1384/ 1995 ميلادي افتتحت إدارة في وادي الدواسر.


شارك المقالة: