إن جوهر تخلف العقلية يكمن في مسببات اجتماعية سياسية، هي المسؤولة عن نمط الإنتاج وأدواته وتقنياته وانعكاساتها على الذهن، هذه المسببات تذهب في اتجاهين رئيسيين متصلين هما، سياسة التعليم في المجتمع، وعلاقات التسلط والقهر السائدة فيه.
اتجاهات تخلف العقلية في التخلف الاجتماعي
1- سياسة التعليم وتخلف الذهنية
من المعروف في أن مدى انتشار الأمية في العالم النامي، مسؤول بالدرجة الأولى عن تواصل الذهنية غير العلمية التي تهيمن عليها الخرافة، ومن المؤكد في أن تطور الذهنية يسير بصورة عامة مع ارتقاء المستوى التعليمي في المجتمع، وما يجره من تحكم في الواقع والتاريخ.
ليست هذه الأمور مجالاً للشك والمجادلة، ما يهم هو بحث تلك الظاهرة اللافتة للنظر والتي تلخص باستمرار العقلية المتخلفة، رغم انتشار التعليم في الكثير من الدول النامية، وفي الشرائح التي وصلت درجات متطورة من الدراسة، فهناك إحساس بأن الخرافة والتقليد ما زالا يعششان في أعماق نفسية الشخص الحاصل على مستويات جامعية، تؤثر على ممارسته ونظرته إلى الأمور المصيرية على وجه الخاص، يجمع على هذا الأمر الكثير من الباحثين.
إن الكثير من أقطار العالم الثالث، تشكل نوعية التعليم ومدى تأثيره على تغيير الذهنية، حيث يبدو أن التعليم لم يكامل في الشخصية، بل ظل في العديد من الأحوال قشرة خارجية تنهار عند الأزمات، لترجع الشخصية إلى نظرتها الخرافية، إن العلم لا يكوّن بالنسبة للعقل المتخلف أكثر من قشرة خارجية رفيعة يمكن أن تنحدر إذا تعرض هذا العقل للاهتزاز.
إن العلم ما زال في مزاولة العديدين لا يعدو أن يكون قميصاً أو معطفاً يلبسه حين يتصفح كتاباً أو يدخل مختبراً أو يلقي محاضرة، هناك إذاً نوع من الازدواجية في شخصية الشخص المتخلف، بين دور التعليم ودور الشخص المزاول حياتياً، ما زال الانفصام أو الانشطار هو السائد.
2- علاقات التسلط والقهر وتخلف الذهنية
نجد أن المتخلف لمسببات تخلف الذهنية، أنها تتضمن عنصر قهر حياتي يقع الشخص المتخلف ضحية له، قهر الطبيعة وغوائلها، قهر التقاليد العشائرية المتشددة التي تعيق الفكر، وتمنع الموقف النقدي من ظواهر المجتمع معاييره، ثم القهر الذي تزاوله السلطة في المدينة على مختلف أوجهه وأنواعه وتبريراته، كل ذلك يخلق جواً عاماً من العنف يطبق على الشخصية، مانعاً تفتحها وانطلاقتها وتصديها بصورة وثيقة لمختلف قضاياها الوجودية.