اتجاه السلوكية الجمعية عند جبريل تارد في علم الاجتماع:
رأى جبريل تارد مؤسس هذا الاتجاه أن أساس الحياة الاجتماعية، هو المعتقدات والرغبات التي تتخذ مسميات مختلفة مثل: العقائد والعواطف والقوانين والعادات الجمعية والأخلاق.
ووظيفة علم النفس دراسة العلاقات المتبادلة بينها في عقل الفرد، ولكن وظيفة علم الاجتماع دراسة العلاقات المتبادلة بينها في عقول الأفراد، ووسيلة دراستها الإحصاء الذي يساعد على تعداد الأفعال المتشابهة والتي تمثل التعبيرات الظاهرة للمعتقدات والأفكار.
ورأى تارد أن هناك عملية اجتماعية أساسية يحدث بمقتضاها التفاعل بين المعتقدات والأفكار هي، التكرار التقليد والمعارضة والتكيف، وألف تارد كتب يعالج كل منها إحدى هذه العمليات هي، قوانين التقليد والمعارضة العامة والمنطق الاجتماعي.
والحياة الاجتماعية في رأي تارد تعتمد على تفاعل عاملين، الاختراع والتقليد، فالاختراع وهو في جوهره ظاهرة فردية، يضمن للمجتمع التجديد والتقدم والتقليد يضمن للمجتمع الاستمرار، وقد كتب تارد في كتابه قوانين التقليد، إن المجتمع لا يستطيع أن يعيش ولا أن يتقدم إلى الأمام، ولا أن يتطور دون باستمرار مع تعاثب الأجيال.
وشبه تارد الميل التلقائي لدى الإنسان التقليدي بتقليد القرود وتقليد الخراف، وبناء على ذلك عرف تارد المجتمع بأنه، مجموعة من الناس تربط بينهم روابط أما ﻷنهم يقلدون بعضهم، وأما ﻷن بينهم نوعاً من التشابه والصفات العامة وهي في مجموعها لا تخرج عن كونها صوراً قديمة لنموذج واحد.
والأسرة تعتبر في رأي تارد المسؤولة عن انتقال الأفكار والمعتقدات وعن ظهور أشكال اجتماعية أكثر تعقيداً، والمعارضة عند تارد تعني الصراع بين موجتين من موجات التقليد تأتيان من مصادر مختلفة، فالصراع في المجتمع هو صراع الأفكار والمعتقدات ولا صلة له بصراع المجموعات الاجتماعية أو صراع المصالح، وتتخذ المعارضة صوراً مختلفة مثل الحب والتنافس والمناقشة.
أما التكيف فيعني الوصول إلى حالة من الاستقرار بعد تقبل الاختراعات الجديدة وانتشارها عن طريق التقليد، وفسر تارد ظهور الأشكال الاجتماعية المختلفة تفسيراً سيكولوجياً مستخدماً مفهومي الاختراع والتقليد، فالأفراد الموهوبون المخترعون كونوا مجموعة النبلاء التي احتكرت الاختراعات، والتي كانت مصدراً مشعاً لموجات التقليد ثم حلت محلهم المدينة كمصدر لاختراعات، وأخيراً أصبحت الأمة هي المصدر العام للاختراع وموجات التقليد.
ويعد تارد مسؤولاً عن ذيوع الاتجاه النفسي في علم الاجتماع وعن عدم ظهور علم النفس الاجتماعي كفرع مستقل للدراسة، وكان له تأثير كبير على ظهور دراسات التغير الاجتماعي والضبط الاجتماعي وعلى الأجرام.