استراتيجيات الهوية الثقافية:
مرت استراتيجيات الهوية الثقافية بأمور صعبة على الإلمام والتعريف بها فلذلك تحديداً، بسبب خاصيتها متعددة الأبعاد والخصائص، هذا ما أضفى عليها أمر التعقيد، وهو أيضاً ما يمنحها مرونتها.
تشهد الهوية تنقلات لإعادة الصياغة، بل تقبل التلاعب بها بهدف التشديد على بُعد الهوية المتغيرة، والذي لا يُمثل أبداً حلاً نهائياً لها.
يستعمل بعض الكتاب مفهوم الاستراتيجية للهوية الثقافية من هذا المنظور وسيلة لبلوغ هدف معين، إذ أنها تعتبر ليست مُطلَقة بل نسبية، ويشير مفهوم الاستراتيجيات أيضاً إلى أن الفرد بكونه فاعل اجتماعي، له نوع من هامش المناورة، كذلك يستعمل موارده للهوية الثقافية بصفة استراتيجية وفقاً لتقديره الوضعي.
وباعتبارها على حد تعبير العالم بورديو، هي عبارة عن رهان مشكلات اجتماعية حول التنظيم الاستراتيجي للهوية الثقافية، وتستهدف إعادة إنتاج علاقات الهيمنة أو قبلها، فإن الهوية الثقافية تبنى من خلال مجموعة من استراتيجيات الأشخاص ذوي الطابع التفاعلي والاجتماعي.
على أن اللجوء إلى مفهوم الاسترايجيات يجب أن لا ينتهي إلى الاعتقاد بأن الفاعلين الاجتماعيين مطلقوا الحرية في تحديد هويتهم وفق مصالحهم المادية والرمزية التي تتمثلها كافة أمور حياتهم، بل يتوجب على الاستراتيجيات وبالضرورة العمل على أخذ الوضعية الاجتماعية وعلاقة القوى بين المجموعات ومناورات الآخرين.
ينظر بعين الاعتبار إذا كانت الهوية في ليونتها مطاوِعة للاستخدام الأداتي، وإذا كانت أداة بل صندوق أدوات مثلما قال العالم دوفرو، وبمستطاع المجموعات والأفراد أن يصنعوا ما بدا لهم في ما يخص الهوية، إذ أنها تعتبر دائماً محصلة التماهي والتقمص الذي نرى أن الآخرين يفرضونه علينا، والتماهي والتقمص الذي نؤكده بأنفسنا.
مفهوم الاستراتيجيات وكيف يمكن أن يفسر الهوية الثقافية:
يمكن لمفهوم الاستراتيجيات على نحو أعمّ أن يفسر تبديلات للهوية الثقافية، أو ما يمكن تسميته بانزياحات الهوية، إذ أنه يعمل على إظهار نسبية ظواهر التماهي والتقمص، كذلك إن الهوية تبنى وتنهدم وتعادل بناء وفقاً للموضوعات الثقافية، إذ يحملها كل تغيير اجتماعي على إعادة صياغة نفسها بطريقة مغايرة.
إن الهوية سواء كانت عبارة عن رمز أم وصم، تكون أداة تستخدم في العلاقات ما بين المنوّعات الاجتماعية، كذلك لا توجد الهوية في ذاتها ببعيد عن استراتيجيات إثبات الهوية الثقافية.