إسهامات النظرية الكلاسيكية المحدثة في دراسة السوسيولوجية للتنظيمات:
1- قام أنصار النظرية الكلاسيكية المحدثة بمناقشة متعمقة لفكرة تقسيم العمل، حيث ركزوا على ما يؤدي إليه التخصص الدقيق من عدة ظواهر مثل التعب الصناعي والشعور بالرتابة والملل، وقد تحول الاهتمام فيما بعد إلى دراسة أثر التخصص على العزلة الاجتماعية للعامل وشعوره بالانفراد والضياع.
وقد وجد أنه مع نمو التخصص وتقسيم العمل فإن الحاجة تصبح أكثر إلحاحاً إلى نماذج جديدة من الإدارة قادرة على تحقيق التنسيق بين مختلف الأنشطة التخصصية المتنامية، وقادرة على دفع العمال إلى العمل بكفاية عالية، وقادرة على ممارسة الإشراف الجيد على العاملين وتوجيههم وضبط سلوكهم.
وقد أدى نمو التخصص الصناعي بأنصار المدرسة الكلاسيكية المحدثة إلى تطوير بناء نظري أكثر عمقاً يتضمن معالجة مستفيضة لعدة موضوعات لم تتناولها النظرية الكلاسيكية مثل الدافعية والتنسيق بين مختلف الأنشطة التخصصية والقيادة والإشراف.
2- قام كذلك أنصار الكلاسيكية المحدثة بمناقشة بعض جوانب المحور الثاني من محاور النظرية الكلاسيكية وهو العمليات التدريجية والوظيفية، وفي مقدمة هذه الجوانب جانبان أساسيان هما، تفويض السلطات والمسؤوليات، والتداخل بين السلطات الوظيفية في مجال الفصل في الأمور وصنع القرار.
وقد أكد أنصار الاتجاه أهمية هذين الجانبين في مجال تخطيط العلاقات التنظيمية والإنسانية داخل التنظيم، فالتفويض غير الكافي يقيد حركة الموظف التنفيذي وتجعله غير قادر على الحركة بحرية في إطار من المسؤولية التنظيمية، يضاف إلى هذا أن عدم ممارسة عملية التفويض بالكفاءة والصورة الواجبة يسهم في نمو الشعور بالإحباط لدى الموظفين الذين يتطلب عملهم قدراً من السلطة لمباشرة مسؤولياتهم الوظيفية بالصورة الواجبة.
هذا إلى جانب أن انعدام ممارسة التفويض يؤدي إلى تركيز السلطة والمسؤولية في قمم التنظيمات مما يؤدي إلى ظهور كافة مشكلات المركزية الإدارية المسرفة، مثل تعقيد العمل وطول فترة الإجراءات أما بالنسبة لقضية تداخل السلطات وعدم تحديد مواقع اتخاذ كل نوع من القرارات تحديداً دقيقاً، فقد وجد أن هذا الأمر يؤدي إلى العديد من ألوان الصراع على حساب الكفاية الإنتاجية، كما يؤدي إلى عدم قدرة كل قسم أو إدارة على أداء دورها بالكفاءة الواجبة.
يضاف إلى ذلك أن عدم تحديد المسؤوليات يؤدي بالعاملين إلى التواني وإلقاء المسؤولية على الآخرين، ويؤكد أنصار الاتجاه الكلاسيكي المحدث أهمية استخدام عمليات تفويض السلطات وتحديد المسؤوليات على حسب كل موقف وبما يحقق الهدف الكلي للتنظيم.
3- تناول أنصار الاتجاه موضوع البناء التنظيمي، فقد وجدوا أن البناء المنطقي والذي يرسمه الخبراء بمنتهى الدقة من الناحية العقلية والصورية، قد لا يكون هو البناء القابل للتطبيق في الواقع العملي، فالسلوك الإنساني والعامل الإنساني السيكولوجي والاجتماعي يجب أن يؤخذ في الحساب عند تخطيط أو رسم البناء التنظيمي، وعلى سبيل المثال فقد كشف التطبيق عن ظهور مجموعة من المشكلات داخل التنظيمات تنجم عن الاحتكاك بين أعضاء الخط.
أو الذين يعملون في مجال الإنتاج المباشر كالعمال، وأعضاء الهيئة أو الذين يعملون في مجال الإدارة والمهن المساعدة، وقد ظهرت مثل هذه المشكلات في العديد من الشركات والمصانع الكبرى ولا تقتصر مشكلات التسلط الإداري والصراع بين أعضاء الخط أو الفنيين وبين أعضاء الهيئة أو رجال الإدارة على الدول الرأسمالية في العالم الغربي، ولكنها تظهر داخل الدول الاشتراكية.
وقام بعض مثل دالتون جيوران، بدراسة للوقوف على عوامل الصراع الاجتماعي داخل تنظيمات العمل وحاولوا أن ينتهوا من هذه الدراسة إلى تقديم مجموعة من الاقتراحات في هذا الصدد، والواقع أن العلاقة بين الخط والهيئة، لا تمثل سوى واحدة من المشكلات المتعددة التي تتعلق بالصراعات البنائية التي نبه إليها أنصار الاتجاه الكلاسيكي المحدث في دراسة التنظيمات.
وحاول هؤلاء الباحثين الخروج من دراسة هذه المشكلات بتقديم بعض الاقتراحات لمواجهتها أو للحد من أثرها المدمر، ومن أمثلة هذه الاقتراحات تحقيق المشاركة في الإدارة من جانب العاملين وتكوين مجالس من أعضاء المستويات الأدنى، وتحقيق التدرج الإداري في توزيع المستويات وتفويض السلطات من القاعدة إلى القمة والأخذ بفكرة اللجان المشتركة وتحسين أساليب الاتصال وتحسين نماذج الإشراف.
4- إن أنصار الاتجاه الكلاسيكي الحديث يرون عدم امكان وضع حدود لنطاق التمكن بصورة نهائية وقاطعة بعيداً عن طبيعة الموقف نفسه وطبيعة المشرف وقدراته فهناك فروق فردية بين المشرفين ورجال الإدارة، كما أن هناك فروقاً بين طبيعة الأعمال والعاملين المطلوب ممارسة الإشراف عليهم، وبقول آخر فإن نطاق التمكن يجب أن يتحدد على حسب كل موقف تنظيمي على حدة وعلى حسب كل حالة، فهناك مجموعة من المحددات التنظيمية والإنسانية التي تتدخل عند تحديد نطاق التمكن.