إسهامات بيتريم سوروكين في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


ينتسب بيتريم سوروكين إلى أصل روسي، وهو سليل أسرة من الفلاحين، وللد عام 1889، ودرس في جامعة بطرسبرج، وبعد حصوله على الدكتوراه عام 1922م، عمل بالتدريس والكتابة والنشاط السياسي، وكانت له خبرات أثناء الثورة الروسية، أثرت على اتجاهاته ونظرياته الاجتماعية، وفي هذه الفترة من حياته تكرست كراهيته للشيوعين، وقد حكم عليه بالإعدام عام 1922، وتدخل تلاميذه فخففت العقوبة إلى النفي من البلاد فهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وشغل كرسي أستاذ علم الاجتماع في الجامعات الأمريكية.

أهم مؤلفات بيتريم سوروكين في علم الاجتماع:

كتب بيتريم سوروكين عدداً من المؤلفات في علم الاجتماع، كان لها تأثير ضخم على علم الاجتماع الأمريكي، وعلم الاجتماع على المستوى العلمي، ومن أهم هذه المؤلفات سوسيولوجية الثورة، والديناميات الاجتماعية والثقافية، والحراك الاجتماعي، والنظريات السوسيولوجية المعاصره، وعلم الاجتماع الريفي، ومبادئ علم الاجتماع الريفي والحضري، والسلوك الإنساني.

ويمثل كتاب الديناميات الاجتماعية والثقافية، وكتاب المجتمع والثقافة والشخصية، أهم هذه الكتب على الإطلاق.

الديناميات الاجتماعية والثقافية: تناول بيتريم سوروكين في هذا الكتاب تاريخ الحضارة الإنسانية لفترة دامت 2500 عام، وذلك في محاولة لتوضيح أشكال وأنواع التغير الاجتماعي والثقافي، وقد استهدف من ذلك إعادة النظر في نظرية التقدم التي سيطرت على الآراء الفلسفية عند كثير من العلماء الاجتماعين في القرن التاسع عشر، وتوضح هذه النظرية مدى كفاءة الإنسان في السيطرة على الطبيعة من أجل توفير أكبر قدر من الراحة والأمن، وتحرير الإنسان من التحيز والجهل والعواطف الهدامة.

وقد حاول كثير من العلماء الذين يؤمنون بنظرية التقدم إثبات أن تاريخ الثقافات يشبه دورات الميلاد، والنمو والانتحار والموت وهي في ذلك تشبه الدورات المتكررة أكثر من مشابهتها للخط التصاعدي التقدمي، وهذان هما المبدآن الأساسيان للتغير التاريخي، وهناك عدة انتقادات جذرية موجهة لنظرية التقدم، ولكن نظرية التقدم الحديثة ابتعدت عن الاهتمام الفلسفي بالتاريخ.

وقد توصل سوروكين إلى نتيجة مؤداها أنه لا يوجد تقدم مطلق كما لا توجد حركات دورية، وإن ما يوجد هو التقلبات في أنماط الثقافة الرئيسية، وفي أنماط العلاقات الاجتماعية، وفي تركيز القوة في الظروف الاقتصادية، وفي الصراع أي أنه تقلبات في كل مكان وقد توصل سوروكين إلى هذا التعميم من بيانات حصل عليها عن الحضارات المختلفة، فتناول في المجلد الأول من هذا الكتاب صور الفنون، وفي الثاني يتناول اتساق الحقيقة والقانون والأخلاقيات، أما في الثالث فيهتم بالعلاقات الاجتماعية والجماعات والنظم من الأسرة إلى الدولة، ومن الكنيسة إلى القرارات الاقتصادية.

كما درس ألف حالة من حالات الحرب، وستمائة حالة من حالات الثورة، ودرس العلاقة بين الثقافة والشخصية والسلوك، وهو في كل ذلك لم يدرس الظواهر التاريخية من أجل فهم طبيعتها التاريخية النوعية، ولكن من أجل ترتيبها، وفي دراسته للوثائق القانونية كان يتساءل إذا كانت الظواهر الثقافية تنقسم إلى عدد من الفئات، ففي أي فئة تقع الظاهرة موضوع الدراسة؟ هل هي طيبة، أم مقبولة، أم سيئة؟ على أن عملية التصنيف لهذه الفئات لم تكن سهلة، فهي تختلف من مجال ثقافي ﻵخر، فعند تصنيف موضوعات الرسم والنحت والهندسة، نجد أن هناك عدداً من الفئات المتعارضة مثل الدينية وهي تدخل في فئة الظواهر السيئة وهكذا.

هذه باختصار هي الطريقة التي اتبعها سوروكين في محاولة الوصول إلى تعميمات عن التغير الاجتماعي والثقافي، فهو ينظر إلى كل شيء من تاريخ الإنسانية على أنه مؤثر لعدد محدود جداً من القيم.

المجتمع والثقافة والشخصية: وهذا الكتاب يعتبر كتاباً فريداً في علم الاجتماع، وقد كان سوروكين يقبل شأنه في ذلك شأن من سبقوه بأن التفاعل الاجتماعي هو الوحدة التي ينبغي أن تكون أساس تحليل كل الظواهر الاجتماعية.

أما التفاعل من وجهة نظره فهو ظاهرة اجتماعية ثقافية تحدث بين البشر أفراداً أو جماعات، ولها ثلاثة عناصر مترابطة:

  • الشخصية باعتبارها فاعلاً أو موضوعاً للتفاعل.
  • المجتمع باعتباره المجموع الكلي للشخصيات المتفاعلة.
  • الثقافة وهي المجموع الكلي للمعاني والقيم والمقاييس الناشئة عن تفاعل الشخصيات الإنسانية، وهي الإطار الكلي الذي يجعل معه المعاني موضوعية واجتماعية، ولقد استطاع سوروكين من تعريفه للتفاعل أن يصوغ هذه القضية، إن أية جماعة من الأفراد المتفاعلين هي أولاً وحدة سببية وظيفية، تجعل من الجماعة نسقاً اجتماعياً. ولا يستطيع النسق الاجتماعي أن يوجد بدون نسق ثقافي. والنسق الثقافي هو إطار أو نسق من المعاني والأفكار، ويكون الاثنان معاً نسقاً ثقافياً اجتماعياً، ويصبح هذا النسق مفتاحاً لنظرية سوروكين.

فكأن النسق الاجتماعي يشبه الهيكل العظمى لبناء المجتمع، أما النسق الثقافي فيعطيه الشكل، والهيئة والحياة، ويكون الإثنان وحدة وظيفية متكاملة.


شارك المقالة: