اعتراضات العلماء في العلم الغربي في المدرسة الوضعية في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


اعتراضات العلماء في العلم الغربي في المدرسة الوضعية في علم الاجتماع:

1- إذا ما صح فرض أن الإنسان مسلوب الإرادة في تصرفاته، بمعنى أن الذي يقدم على الجريمة مدفوع إليها لا محالة، فإن هذا يعني أنه لا جدوى من العلاج ويحيل المجتمع إلى فوضى، وهذا ما يرد عليه هانز إيزنك بقوله أن إنكار حرية الإنسان لا يعني الفوضى، لكن على العكس فإننا عندما نقول أن السلوك الإنساني محتوم بعوامل محددة، فإنه يمكننا دراسة الميكانزمات التي يصدر من خلالها بطريقة حتمية، وبالتالي يمكننا تطوير وسائل لتغييره، ويذهب الوضعيون إلى أنه إذا كانت هناك حالات مستعصية على العلاج حالياً، فما ذلك إلا لعدم اكتمال معلوماتنا حول طبيعة السلوك بوجه عام.

2- القول بإمكان الحياد العلمي وتحقيق الموضوعية الكاملة في الدراسات الاجتماعية قول تعرض للعديد من أوجه النقد، طالما أن الإنسان كائن له معتقداته ويعيش داخل مجتمع له نظمه، وهو لا يستطيع أن يسحب نفسه من عالمه بنفس الأسلوب المتحقق في العالم المادي.

3- إن محاولة تطبيق نفس المنهج العلمي المستخدم في دراسة العالم المادي على دراسة المجتمع والسلوك الإنساني أو ما أطلق عليه النزعة الشيئية، تعرضت لنقد عنيف؛ ﻷن الظواهر الاجتماعية ظواهر لها معنى، إلى جانب مظهرها الخارجية، وهذا هو ما يجعل محاولة أنصار الاتجاه الطبيعي، محاولة فاشلة ﻷنها تتضمن تصوراً خاطئاً للعالم المادي والعالم الاجتماعي معاً.

وفهم العالم الاجتماعي كما يذهب الباحث تايلور ورفاقه يتطلب نظاماً معرفياً بديلاً عن تلك المطبق في مجال العالم المادي، وحتى بالنسبة لمكونات المنهج الاستقراطي فقد صارت اليوم مرفوضة من قبل بعض فلاسفة العلم مثل توماس كن وكارل بوير، فالتعميمات التي توصل إليها المشتغلون في العالم المادي وصارت نظريات لم يتوصلوا إليها عن طريق المنهج الاستقراطي، وإنما توصلوا إليها عن طريق المنهج الاستنباطي، حيث يبدأون باستمرار بقضايا عامة في الفروض ثم ينتقلون من العام إلى الخاص، أو من الكلي إلى الجزئي، ثم إلى الكل بعكس قواعد الطرق الاستقراطية، وذلك ﻷن البدء من الجزئي دون وجود فرض موجه أمر يستحيل معه الوصول للتعميمات.

4- يشير الباحث تايلور إلى ما يطلق عليه مشكلة تعدد الحقائق، فهو يشير إلى أن تحقيق الموضوعية المطلقة يعتمد على وجود اتفاق عام داخل المجتمع، حيث يكون هناك اجتماع حول ما يعد حقيقة، غير أن المشاهد داخل المجتمعات الغربية أن هناك تعدداً للحقائق بتعدد الطبقات ومواقع القوى، ولهذا فإن الباحث الاجتماعي يمكن أن ينظر إلى موضوعات دراسته من زوايا مختلفة، وعليه أن يختار من بينها، وهذا يعني تدخل وجهات النظر الخاصة والبعد عن الموضوعية المطلقة.

5- لا ينظر الوضعيون إلى رد الفعل الاجتماعي على أنه مشكلة ذلك؛ ﻷنهم في الحقيقة يتجاهلون أسباب ومبررات رد الفعل إزاء السلوك المنحرف، كما يتجاهلون تفسير ما يصاحب رد الفعل هذا من وصم للمنحرف وإبعاد له عن دائرة السوء، وهذا يعني افتقاد النموذج الوضعي للمعالجة الصائبة لمشكلة الانحراف من حيث وضعها في حجمها الحقيقي بشكل متكامل منسق.

وقد تأثر أنصار الاتجاه الوضعي بالدراسات التجريبية وبالنظريات البيولوجية والنفسية والبيئية والاجتماعية، التي ظهرت خلال هذه الفترة، كما تأثروا كذلك بما أطلق عليه نظرية العامل المضاعفة، التي يشير أنصارها إلى أن الجريمة هي حصيلة عدد كبير من العوامل المختلفة، وإن هذه العوامل لا يمكن الآن وقد لا يمكن أبداً، أن تنظم في فروض عامة ليس لها استثناءات، وقد ذهب أنصار المدرسة الوضعية إلى القول أن أسباباً أو عوامل معينة في تسلسلها لا بدّ وأن تؤدي إلى نتيجة معينة كما هو الشأن في العلوم الطبيعية.

وهذا يعني وقوع هذه المدرسة في فرض الحتمية الذي قبل بالعديد من الانتقادات الموضوعية، وقد ترتب على هذا الزعم أن تآمر الظروف البيئية والشخصية المحددة على إنسان ما توقعه حتماً في السلوك الإجرامي أو الانحرافي، وبناء على هذا فإن المجرم الذي ينتهك المعايير القانونية ينتهكها غصباً عن إرادته، فالجريمة هنا وبناء على رأي أنصار المدرسة الوضعية تعد نتيجة حتمية لعدة مقدمات تتمثل في مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية المحيطة بالإنسان المجرم.

مبادئ الدفاع الاجتماع عند أنصار المدرسة الوضعية في علم الاجتماع:

1- السلوك الإجرامي في جوهره أمر حتمي أو نتيجة لمجموعة من العوامل الشخصية أو البيئية، تنعدم أمامها إرادة الجاني أو قدرته على تجنبها أو تعديل مفعولها.

2- إذا كانت إرادة الجاني منعدمة بالتالي تنعدم المسؤولية الجنائية.

3- بناء على عدم ثبوت المسؤولية الجنائية، ينعدم الأساس الذي يقوم عليه العقاب، فالعقوبة في جوهرها جزاءً على فعل قام به الإنسان باختياره وإرادته، وعندما تنعدم الإرادة يفقد الجزاء معناه ووجوده.


شارك المقالة: