العلاقة بين اﻷبعاد البيولوجية والنفسية والاجتماعيه علاقة متبادلة، ولا نستطيع ببساطه، الجزم بأن أحد هذه اﻷبعاد مسبب للأبعاد اﻷخرى، فقد تكون الظروف الاجتماعية وراء بعض العلل الجسمية والانحرافات النفسية والعقلية.
الآثار الاجتماعية والنفسية للتغيرات البيولوجية في مجال الشيخوخة
ثبت أن بعض اﻷمراض الجسمية مرجعها اجتماعي، فقرحة المعدة وأمراض القولون في بعض الحالات تنشأ بسبب مواقف اجتماعية ضاغطة، وبعض اﻷمراض تنشأ بسبب الجهل أو الظروف المعيشية المتدنية، وكذلك الحال في اﻷمراض النفسية، فكثير من هذه اﻷمراض قد ينجم عن أساليب التنشئة الأسرية الخاطئة، فالعدوانية في معظم مظاهرها إنما تنجم عن التنشئة الأسرية الخاطئة في مرحلة الطفولة.
تؤثر التغيرات البيولوجية الطبيعية في مرحلة الشيخوخة في سلوك المسنين، وتؤثر في علاقاتهم الاجتماعية والأسرية والمهنية، كما تؤثر في مختلف نشاطاتهم، والتغيرات الطبيعية هنا هي التي لا تحدث عن علة جسمية أو نفسية، وإنما هي النمو الطبيعي للكائن الحي الذي يعتريه الضعف والوهن.
ويصيب القصور أجهزة الجسم مما يؤثر فيما تقوم به من وظائف، والذي قد يسبب مرضاً أو أمراضاً، فضعف الأبصار أو السمع في مرحلة الشيخوخة، لا يعد مرضاً بالمعنى الذي يعنيه في مرحلة الطفولة أو الشباب، وضعف الشهية، وسوء الهضم لا يعد مرضاً في مرحلة الشيخوخة بالمعنى الذي يعنيه في مرحلة الطفولة أو الشباب أيضاً.
هذه التغيرات العضوية التي تصحب الشيخوخة الطبيعية تؤثر في الجوانب الاجتماعية والنفسية للمسن، تؤثر في سلوكه ومواقفه، وتؤثر في علاقاته الاجتماعية والأسرية، وتؤثر في نشاطاته الحياتية المختلفة.
والتغيرات التي تصيب الجلد، وخاصة ظهور التجاعيد في الوجه وتحول الشعر من لونه الطبيعي إلى اللون الرمادي، تزعج كثيراً من المسنين وخاصة النساء، فالجمال بالنسبة للمرأة أمر في غاية اﻷهمية، والذي تهدده التجاعيد، وتمحو أثره مما ينعكس على تصرفاتها ونظرتها لنفسها.
ومع التقدم في العمر تضعف العضلات، وتوهن العظام، ويعاني المسنون من أمراض الروماتيزم، هذه العلل تؤدي إلى قلة الحركة، وبالتالي تقليص النشاطات والمشاركات الاجتماعية، والتي قد تؤدي إلى العزلة والشعور بالوحدة، كما تؤثر في النشاطات المهنية خاصة ممن يعتمدون على قواهم الجسمانية كالعمال غير المهرة والحرفيين، مما يؤثر في أوضاعهم الاقتصادية.
وقد تسبب مشكلة القلب والأوعية الإصابة بالجلطات، والتي قد تؤدي إلى الشلل الكلي أو الجزئي، والإصابة بالشلل يعني عجز المسن، مما يؤدي إلى اعتماده على الآخرين، وبالإضافة إلى شعور المسن بالعجز، يشعر بأنه أصبح عالة على الآخرين.
وكما تولد هذه المشاعر في نفوس المسنين المرارة والإحباط والتبرم بالحياة، خاصة إذا لم يجد الأبن البار الذي يهون عليه مصاعبه ومتاعبه، ويسعى في خدمته بنفس راضية، ومشكلة الاعتمادية ليست مشكلة المسن وحده، ولكنها مشكلة الأسرة التي ترعاه، حيث تجابه أنواعاً من المشكلات والمصاعب.