الأخلاق البروتستانتية عند ماكس فيبر

اقرأ في هذا المقال


الأخلاق البروتستانتية عند ماكس فيبر:

يحاول ماكس فيبر في مؤلفه الشهير الذي نشر للمرة الأولى في بداية القرن العشرين الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، أن يفسر واحدة من القضايا الجوهرية، لماذا تكونت الرأسمالية في الغرب دون غيره من بقاع العالم؟ لقد تكونت وبدأت وازدهرت حضارات ومدنيات راقية ومتقدمة خلال القرون الثلاثة عشر التي تبعت سقوط روما القديمة في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تحتل منزلة متواضعة في التاريخ البشري، فيما كانت حضارات الصين والهند والشرق الأوسط تتقدم الغرب في مجالات العلوم والنماء الاقتصادي، فما الذي حفز أوروبا إلى أن تتصدر موقعاً طليعياً متقدماً منذ القرن السابع عشر؟

يرى فيبر أن علينا أن نتبين الكيفية التي تميزت بها الصناعة الحديثة عن أطوار سابقة من النشاط الاقتصادي، وصحيح أن الحضارات الكبرى السابقة قد جمعت ثروات هائلة، وكانت الشعوب حريصة على إعلاء شأن الثروة المادية والتمتع بها، واستخدامها ﻷغراض الأمن، وتعظيم السلطة والقوة الاقتصادية والعسكرية.

وهي منظومة من المعتقدات والقيم التي حملها أوائل التجار والصناعيين الرأسماليين، فقد حرص هؤلاء آنذاك على تجميع الثروة التراكمية بالفعل، غير أن أسلوب حياتهم كان أقرب إلى التقشف، والرصانة، وإنكار الذات، وبدلاً من أن يبددوا ما توافر لديهم من ثروات، آثروا إعادة استغلالها واستثمارها للتوسع والتطوير في مشروعاتهم التجارية والاقتصادية.

ويعتقد فيبر أن أصول التوجه غير الظاهرة في روح التطور إلى الرأسمالية إنما تكمن في الدين، وفي توجه ديني محدد هو المذهب البيوريتاني التطهيري في البروتستانتية، وكان أوائل الرأسماليين من اتباع هذا المذهب الذي أسسه كالفن.

مما أسهم في تعزيز هذا الاعتقاد لدى البيوريتانيين البروتستانت إيمانهم بالقضاء والقدر، أو بما هو مقدر عليهم مسبقاً، أي بأن بعض الأفراد قد تقرر اختيارهم بصرف النظر عما فعلوه أو سيفعلونه في حياتهم الأرضية.

وقد تعرضت نظرية فيبر للانتقاد على عدة محاور نظرية وعملية طيلة القرن الماضي، ووضعت في تلك الأثناء مؤلفات لا حصر لها في مجالات العلوم الاجتماعية النظرية والتطبيقية، على حد سواء لمساندة التفسيرات الفيبرية أو تفنيدها.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الإشكاليات الكبرى التي طرحها ماكس فيبر أمام جميع العاملين والباحثين في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية عموماً ما زالت تثير المزيد من الجدل والنقاش والخلاف.


شارك المقالة: