الأداء المهني للطبيب في علم الاجتماع الطبي:
تؤكد الدراسات على أن السلوك المهني للطبيب يمتاز بقدرة غير قليلة من التفرد، فعلى سبيل المثال المهندس يتصرف مع مواد ليست إنسانية، والمحامي يتصرف مع قوانين وقواعد منصوصة، والتاجر يتصرف مع مواد خام صلبة وسائلة، ولكن الأطباء يتعاملون مع كائنات بشرية، ويزاول الطبيب دوره في وجود عائلة المريض وأصحابه.
وفي هذا الشأن يساق العالم الاجتماعي فيلفريدو باريتو سلسلة من الاحاسيس التي يسميها تكامل الفرد تدور أساساً حول حرمة الجسد، فلا ينكشف عليه أحد، ويطلق عليها العالم الاجتماعي تالكوت بارسونز الاشراف على أبدان البشر وتحسسها يتميز به الطبيب من خلال المجتمع وثقافته المعروفة، وأن النسق الطبي يستدعي الوصول إلى المعلومات الصحيحة عن الحياة الخاصة بالمريض، ويتفوق الأمر حساسية حينما نعي ونفهم أن أغلبية الحقائق التي تتصل بعقبات أفراد المجتمع الصحية تقع في دائرة الحياة الخالصة التي لا يتطلعون في الحديث عنها مع زملائه أو أصدقائه.
علاقة مهنة الطبيب بالصحة والمرض:
بالإضافة إلى ذلك إن علاقة مهنة الطبيب بالصحة والمرض والموت يعد عاملاً بالغ الاهتمام في الإنسجام العاطفي لدور الطبيب، فإذا لم يكن لديه ميل إلى شغل مكانة الدين، فهو على صلة وطيدة بعالم التقديس، بالإضافة على أن أول خطوات التمرين الرسمي تبدأ بالتعرف على بدن الإنسان، من واقع الجثث المحفوظة، وهذا في حد ذاته يمثل نوعاً من الخوف والهيبة، فالشرح والتحليل الطبي ليست فقد وسيلة أدائية لاستحقاق دارس الطب، بل هي فعل سلوكي معين يتصل بالاهتمام التأثيري.
والوجه الآخر لانفراد دور الطبيب في سلوكه المهني، هو أن اعتقاداتنا بشأنه تتفاوت عن اعتقاداتنا لكثير من الأدوار الأخرى في المجتمع المحلي، فعلى سبيل المثال رجل أعمال يتحفز ﻹنشاء الثروة والحصول على الربح في صفقاته، ولكن هل تنعطف ارتباط الطبيب بالمريض على غاية الحصول على أقصى عائد مالي؟ لا شك إذن في أن هذا الوضع الطمع سيكون مبعث احتقار المريض للطبيب وعمله.
على أية حال فإن نوعية السلوك المهني للطبيب يعود إلى طبيعة نشأته وبيئته وثقافته، والسياق الذي يعمل فيه، وإذا كانت التنشئة الاجتماعية للطبيب تزاول عليه تأثيرها المتواصل في حياته العملية، فإن هناك أسلوباً آخر من التنشئة يزاول تأثيراً موازياً، وهو التنشئة الحسنة، التي تقترب كثيراً من مسألة القوة والسيادة والمهنية.