تبدأ الأسرة الثالثة في مصر حوالي عام 2670-2613 قبل الميلاد بالملك زوسر المشهور بهرم الخطوة في سقارة، وعلى الرغم من وجود بعض المصادر التي تدعي أنّ الملك المسمى سانخت (Sanakht) والمعروف أيضًا باسم نبرا (Nebra) الذي أسس الأسرة الثالثة، إلّا أنّ هذه الادعاءات يتم الطعن فيها بشكل روتيني بسبب نقص الأدلة.
الملك سانخت
التسلسل الزمني لمانيثو غامض بشأن من كان سانخت عندما حكم في الأسرة الثالثة وحتى اسمه، ولا يُعرف اسم سانخت إلّا من خلال قائمة ملوك أبيدوس من ورق البردي تورين، واثنين من النقوش البارزة في المقبرة المعروفة باسم مصطبة كا2 (Mastaba K2) في بيت خلاف، وكان يُعتقد أنّ هذا هو قبر سانخت ولكن هذا التعريف تم الطعن فيه ودحضه، ولم يُعرف أي شيء عن عهد سانخت، حيث إن اسم يشير إلى ملك آخر، وعلى الرغم من قلة المعلومات المتوفرة عن عهد زوسر، فأنّه بتأكيد في بداية عهد الأسرة الثالثة من المملكة المصرية القديمة كان ملكًا، وكذلك يبدو أنّه يتبع لآخر ملوك الأسرة الثانية أي للملك خعسخموي.
قام العلماء بشكل روتيني بتضمين الأسرة الثالثة في فترة المملكة القديمة؛ أي في الأعوام من 2613-2181 قبل الميلاد، وبدلاً من فترة الأسرات المبكرة حوالي عام 3150-2613 قبل الميلاد بسبب مشاريع البناء الضخمة التي تميزها، فقد اقترح بناء الهرم الأول في الأسرة الثالثة في عهد زوسر، ولعلماء الآثار الأوائل صلة واضحة بصعود أكبر الأهرامات في الدولة القديمة، ومع ذلك تميل الدراسات الحديثة إلى اعتبار الأسرة الثالثة تنتمي إلى فترة الأسرات المبكرة، وذلك بسبب استمرار الممارسات الثقافية والمعمارية (الاحتفالات الدينية وطرق البناء) التي تتوافق بشكل وثيق مع ماضي مصر أكثر من المستقبل.
الهرم الأول
يعد هرم زوسر بأنّه أول هرم فعلي في مصر والذي قام بتصميمه الوزير إمحوتب، والذي كان في الوقت ذاته مهندسًا معماريًا، وبالرغم من وصف بأّنه هرم إلّا أنّه في تصميمه أقرب إلى تصميم مقابر المصطبة (المدرج) التي بنيت في الأسرات المبكرة، والتي كانت تسمى في ذلك الوقت بالأهرامات الحقيقية وذلك في عهد الأسرة الرابعة، ثم تطور تصميم العمارة الهرمية للسلالة الثالثة من المدرجات إلى المدرجات المكدسة لأهرامات زوسر وسخمخت وخبة، والتي شكلت هذه الأهرامات في وقت لاحق أهرامات الجيزة الضخمة، ولكن كما ذكرنا سابقًا فأنّ لديهم قواسم مشتركة مع المصطبة المبكرة أكثر من الهياكل اللاحقة.
كان الهرم المدرج في الأصل عبارة عن قبر شبه منحرف بسيط بسقف مسطح وجوانب مائلة على غرار العديد من مقابر السلالة المبكرة، ولكن المهندس المعماري إمحوتب وضع خطة أكثر طموحًا لمنزل ملكه الأبدي، والهرم المتدرج عبارة عن سلسلة من المدرجات المتراكبة كل طبقة أصغر قليلاً من الطبقة الموجودة تحتها مكونة شكل الهرم، في السابق كانت المدرجات مبنية من الطوب اللبن، حيث صنع الهرم المدرج من الحجارة التي نحتت عليها صور الأشجار، وهي من الأشياء ذو تقديس للآلهة المصرية، وكذلك القصب الذي من الممكن أنّه يرمز إلى أرض القصب والحياة الآخرة للديانة المصرية.
عند اكتماله ارتفع الهرم المدرج 204 قدمًا (62 مترًا) وكان أطول مبنى في عصره، وتضمن مجمع الهرم معبدًا وساحات وأضرحة وأماكن معيشة للكهنة بما مساحته 40 فدانًا (16 هكتارًا)، والذي يحيطه جدار يبلغ ارتفاعه 30 قدمًا (10.5 مترًا)، وفي قاع القاعدة للمقبرة تم حفر غرف فعلية لتلك المقبرة وذلك لتشكل متاهة من ممرات وأنفاق، بالإضافة إلى غرف تقع خارج الممرات لإعاقة اللصوص والحفاظ على ما يملكه الملك من المقتنيات وكذلك حماية جسد الملك، وبالرغم من كل هذا التخطيط لكن لم يقي ذلك من سرقات القبر في تلك العصور بما تحويه من مقتنيات ثمينة وخاصة الجسد التي وجد فقط قدم الملك في القبر نتيجة سرقات التي حدثت على القبر.
ولكن بالرغم من ذلك فقد يعد تصميم هذا الهرم والمصاطب دليلًا على مهارة ودقة ورؤية المهندسين والبناة في عهد المملكة للأسرة الثالثة، حيث قاموا فيما بعد بعدة أمور ومنها إعلاء الهرم الذي دفن ورفع هرم الطبقات بين عددًا من المباني الأخرى كالمعابد والمعالم الأخرى، كما وضعوا هؤلاء البناة القاعدة والأساس للأسرة الرابعة لبناء الأهرامات الحقيقية، والتي نالت إعجاب الناس وعلماء الآثار عبر القرون منذ أن تم إنشائها، وخلال الأسرة الثالثة اتخذت الهندسة المعمارية والتكنولوجيا والدين والفنون خطوة كبيرة إلى الأمام، حيث خطط الناس وبنوا هذه المقابر والآثار العظيمة لحكامهم.
ومن استخدامات وأغراض بناء هذا الهرم بشكل رئيسي هو انّه بمثابة منزل لروح الملك الذي يمكن التعرف عليه والقدرة على الزيارات بالطائرة الأرضية، بالرغم من بعض الادعاءات التي نسبت في عملية بناء هذا الهرم بأنّ من قام ببنائه هم العبيد في ذلك الوقت، بل من قام ببنائه فعليًا هم ذوي العلم والخبرة وأصحاب الحرف المصريين، بالإضافة إلى العمال المأجورين على عملهم، حيث حصل هؤلاء العمال على رواتب كأجر على عملهم أو كخدمة لواجبهم الديني اتجاه الآلهة والملك.
ملوك الأسرة الثالثة
تستند القائمة التالية لفراعنة الأسرة الثالثة إلى التسلسل الزمني لمانيثو وقائمة تورين للملوك، والأدلة الأثرية كما وردت في عمل دوجلاس جيه بروير في مصر القديمة: أسس الحضارة.
زوسر
حكم زوسر -2670 قبل الميلاد والاسم اليوناني: توسورثروس- لأكثر من عشرين عامًا، ولقد حكم دولة مستقرة كما يتضح من ترف القدرة على الانخراط في عدد من مشاريع البناء، وبنى زوسر العديد من المعالم الأثرية والمقابر والمعابد، وفي الواقع ادعى العلماء أنّه لا بد أنّه حكم لما يقرب من ثلاثين عامًا، وحدث التوسع العسكري في منطقة سيناء في عهده وازدهرت الصناعة والتكنولوجيا كما فعلت الفنون، وصمم وزيره إمحوتب مكان دفنه في سقارة، والهرم المدرج العظيم الذي اشتهر به في يومنا هذا.
سيخمخت
سيخمخت (Sekhemkhet) -حوالي 2650 قبل الميلاد والاسم اليوناني: تايريس (Tyreis)- الذي كان الابن الأكبر لزوسر (رغم أنّه من المحتمل أن يكون شقيقه) الذي حكم لمدة تقل عن عشر سنوات، واشتهر بما يسمى الهرم المدفون (لأنّه اكتشف تحت الرمال) في سقارة، ويتحدى بعض العلماء الآن الادعاء بأنّ الهرم المدفون هو لسخيمخت ويعتقدون أنّه تم بناؤه لزوجته دجيزرتنيبي، ويبدو أنّه واصل سياسات زوسر بما في ذلك الحملات العسكرية في منطقة سيناء حيث تم العثور على نقوش من عهده هناك.
خبا
كان خبا (حوالي 2640 قبل الميلاد) ثالث ملوك الأسرة الثالثة على الرغم من أنّ بعض العلماء يصرون على أنّه سبقه رجل يدعى سانخت، ولا يُعرف سوى القليل عن عهده بخلاف مشاريعه الإنشائية بما في ذلك هرم الطبقة في زاوية العريان بالقرب من الجيزة والمجمع الذي كان يحيط به ذات يوم.
هوني
هوني 2630-2613 قبل الميلاد والاسم اليوناني: آش- كان آخر حكام الأسرة الثالثة، وعلى الرغم من الإشارة إليه في النقوش اللاحقة، إلّا أنّه لا يُعرف أي شيء تقريبًا عن عهده، ونظرًا لعدم وجود دليل على حدوث اضطراب في تطور الثقافة فإنّه يمكن الافتراض أنّه استمر في سياسات أسلافه بنجاح، ولكن لا يوجد دليل حقيقي على قيامه بذلك.
كان يعتقد في الأصل أنّه قام ببناء هرم ميدوم، ولكن هذا تم تحديده بشكل إيجابي مع فرعون الأسرة الرابعة سنفرو، وقد ارتبط أيضًا بهرم الطبقة من قبل بعض العلماء الذين يعادلون هوني بخبا، ولكن هذا محل خلاف، ومع هوني انتهت الأسرة الثالثة وبدأت الرابعة وبدأت الفترة المعروفة في التاريخ المصري بالمملكة القديمة.