الأنساق المجتمعية للتوازن التفاضلي في الفعل الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


الأنساق المجتمعية للتوازن التفاضلي في الفعل الاجتماعي:

ضمن مقتضيات تحليل الأنساق المجتمعية واقتراناتها بالنسبة للتوازن التفاضلي، يظهر النسق السياسي، كتعبير عن قوة مهيمنة على الأنساق الأخرى وضخمة في محتوياتها، ويوجه وظيفة تحقيق الهدف، أي جمع المصادر وتعبئتها وتوزيعها، لخدمة ومصلحة فئات معينة، وليس للمصلحة المجتمعية العامة.
إن هذا الافتراض لا يلغي قوة الأنساق الأخرى بشكل مُطلق، لكنه يُبيّن “استلابيتها النسبية” من قبل النسق السياسي وتسخيرها لخدمة مصالحه، لذلك يمكن تصور اعتلالية نسقية عامة داخل المجتمع، يسيطر عن طريقها أصحاب القوة على خيرات النسق الاقتصادي، ويموهون محتوى النسق الائتماني ﻹضفاء الشرعية على وجودهم وقراراتهم، كما ينتزعون الدعم من الروابط المجتمعية لتثبيت مواقفهم.
وتنعكس هذه العلاقة الاعتلالية على الأنساق الفرعية وتشوهها، حيث تظهر القسرية والزيف في نسق التضامن والانتماء، وتبيّن اللاعدالة في نسق المعيار التوزيعي، ويظهر الترهل وقلة الإنتاجية في نسق سوق الاستهلاك والعمل.
وبمعنى آخر، يظهر هنا، دور الدولة الاستلابي، حيث تسيطر الدولة على المجتمع وتمد أجهزتها السيادية فيه، تلجأ إلى القهر غالباً، وإلى الترهيب غالباً أخرى، ولكنها بشكل دائم تستخدم المحتوى الرمزي والثقافي للتدعيم السياسي وإضفاء الشرعية، وقديم الانتماء.
إن هذه العلاقة بين الدولة والمجتمع، تعكس شكل المجتمع الفوضوي، حيث يقوم المجتمع على خدمة الدولة، وليس العكس، وتغيب الديموقراطية، وتتقلص الحريات، وتظهر شكل الاغتراب الحقيقي للأفراد، حيث الضعف والهاشمية والإحساس بالاستباحة والتعرض للخطر، كما يستحوذ قلة على رأس المال، وتقل الإنتاجية ويتفاقم الاستهلاك، مما ينعكس تشوهات عميقة في بنية النسق الاقتصادي.
ومن المفارقات المهمة، أن هذا الشكل النسقي للمجتمع، تقدم ازدواجية واضحة بين الشكل والمضمون، أي أن المجتمع قد يمتلئ بالأشكال التي تعبر عن مظهرية مزيفة، تحجب النظر مباشرة إلى قبح المضمون، ولذلك فقد تظهر المؤسسات الديموقراطية، ولكنها تعمل ضمن أيديولوجيا تبريرية ودفاعية عن مصالح الدولة وتكون مغتربة عن الفعل السياسي الحقيقي.
وقد ترفع شعارات الحرية والتعبير عن الرأي، وبنفس الوقت تكمم الأفواه بأقفال من حديد، وقد يتم تبني مشروعات تنمي المشاركة السياسية، ولكن المطلوب فعلاً يكون مشاركة توافقية إنصياعية، وربما تنتشر المؤسسات التعليمية والتربوية، ولكنها بدلاً من تحرير الفكر وتنشيطه، تسهم في اعتقاله وترويضه أو تلقينه مبادئ الطاعة والانتماء.


شارك المقالة: