الأوضاع في المغرب في عهد العباسيين:
استولى عبد الرحمن بن حبيب، وهو أحد الزعماء العرب البارزين على السلطة في إفريقيا (المغرب الأدنى)، في ظل الفوضى التي حدثت وضربت العالم الإسلامي أثناء الصراع على السلطة بين الأمويين والعباسيين ودخل القيروان متطلعاً إلى إقامة دولة مستقلة ومستقرة.
ويبدو أن عبد الرحمن هذا لم يكن رجل دولة وبدا من خلال تصرفاته السياسية أنه يفّتقر إلى فن الحكم، فذهب ضحية جشعه وأنانيته، فقد اغتيل في عام (137 هجري)/(754 ميلادي) في ظل فوضى الصراع على السلطة.
في هذه الأثناء برز الخوارج على مسرح الحياة السياسية في إفريقيا، وكانوا متربصين بالبلاد يحاولون انتزاعها ونجحوا في استقطاب بعض قبائل البربر، الذين تأثروا بآرائهم وتأسيس دول لهم فيها. وشهد المغرب آنذاك ظهور إمارتين خارجيتين قامتا على أكتاف البربر برئاسة زعماء من العرب واستقلتا استقلالاً يكاد يكون تاماً.
أما الإمارة الأولى فهي إمارة (سجلماسة). وهي دولة بنى مدرار أو بني واصول الصفرية وتدين بالمذهب الصفري. نشأت في عام (140 هجري)/(757 ميلادي) في جنوبي المغرب الأقصى في المنطقة شبه الصحراوية التي تضم السهوب والواحات القائمة في الجنوب من جبال الأطلس وعلى أكتاف الصحراء من ناحية الشمال.
إنّ هذه الإمارة تعد ن أبرز إماراتِ الخوارج المُستقلة التي تأسست في عهد الخليفة المنصور، وعمّرت مائة وأربعين عاماً. اشتهرت بغناها وبموقعها التجاري الهام كما شكلت سوقاً كبيراً تتم فيه مقايضة السلع الواصلة إليها من الجنوب والغرب، لتنقل إلى حوض البحر الأبيض المتوسط؛ أو من هذا الحوض إلى قلب إفريقيا.
أما الإمارة الثانية فهي الإمارة الإباضية نسبة إلى عبدالله بن إباض المري، قامت في المغرب الأوسط عام (144 هجري)/(761 ميلادي). أسسها رجل فارسي؛ على الغالب هو عبد الرحمن بن رستم وقد حمل لقب الإمام. كانت عاصمة هذه الإمارة مدينة تاهرت التي بناها المؤسس في عام (150 هجري)/(763 ميلادي) وقدر لخلفائه أن يحكموا أكثر من مائة وثلاثين عامأ، وكانوا أشد الخوارج تعصُباً.
وقام مجتمع هذه الإمارة على أساس ارتكزت عليها وهي المساواة الكاملة بين الناس والحياة الخلقية المتطهرة، لهذا وجد البربر أن مذهب الخوارج يناسب وضعهم الاجتماعي والسياسي فاتخذوه عنواناً للمعارضة العنصرية. ويبدو أن الخلاف قد أخذ يدبّ بين الجماعتين الخارجيتين الصفرية والإباضية بفعل اختلاف الأفكار الدينية. وأضحت أفريقيا تحت رحمة الخوارج تتبادل فيها السلطان عليها جماعة بعد جماعة مما دفع أهلها للاستغاثة بالخلافة العباسية.
لم يقف المنصور أمام هذه الحركات المناهضة مكتوف اليدين، بل فأرسل الحملات العسكرية إلى المغرب لإعادة بسط سيطرة الدولة عليه. وتمكنت إحدى هذه الحملات بقيادة يزيد بن حاتم بن قبيصة من الانتصار على الخوارج الإباضية في عام (155 هجري)/(772 ميلادي). واستقرت القيروان، بعد أن استعادتها الجيوش العباسية بفترة طويلة من الهدوء والاستقرار في ظل حكم أهل السنة. وهكذا تمكن المنصور من استعادة ولاية إفريقية، إلا أن نفوذه لم يتجاوزها إلى داخل المغرب.