الأيديولوجيا والتحول الصناعي في علم الاجتماع:
إذا لم نتمكن من أن نستجلي العلاقة بين علم الاجتماع والأيديولوجيا، فإنه يجدر بنا أن نشير إلى أن أصول علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية في أوربا تمتد إلى تلك الفترة التي تحطمت خلالها مقومات المجتمع الإقطاعي التقليدي أو إلى بداية ظهور الدولة الصناعية الحديثة.
وقد احتفظ المجتمع التقليدي في ظل النظام الإقطاعي بنسق ثابت من العلاقات الاجتماعية، وبمجموعة من المعتقدات المحورية على مدى فترة طويلة من الزمن تمتد إلى عدة قرون وعلى العكس من ذلك فإن المجتمع الصناعي يعكس نموذجاً من الحراك الاجتماعي أو الدينامية الاجتماعية، في إطار بناء طبقي متغير، وفي ظل حركة أفقية أو هجرات مستمرة من مكان معين للإقامة إلى مكان آخر.
وفي مقابل المعتقدات الثابتة والمتحجرة التي سادت أثناء المجتمع التقليدي القديم، فإن المجتمع الصناعي الحديث قد أتاح الفرصة لظهور مجموعة كبيرة من الأفكار والمبادئ المتصارعة، كما أتاح الفرصة لظهور التنظيمات واسعة النطاق، ولظهور نماذج فكرية وقيمية وسلوكية جديدة.
نتائج التحول الاقتصادي:
وقد أدى التحول الصناعي للمجتمع الأوربي إلى العديد من التغيرات والأزمات، التي أدت بأعضاء المجتمع إلى الوقوع في العديد من المواقف المتأزمة، كما أدت إلى شيوع بعض الاضطراب والصراع داخل المجتمع ولكن هذه التغيرات لم تترك أثرها على أعضاء المجتمع بقدر متساو، ولكن هذا الأثر اختلف باختلاف موقع كل فرد من علاقات الإنتاج وعلاقات القوة داخل المجتمع، وباختلاف قدرات كل فرد على التوافق مع المواقف المتغيرة، وكانت النتيجة كما يشير إلى ريموندريس، هي أن بعض أعضاء المجتمع لم يتعرضوا لمحنة بشكل مفزع.
وقد أكد العديد من مفكري القرن الماضي على أهمية فهم دلالة هذه التغيرات الجذرية التي أصابت المجتمع الأوروبي خلال فترة انهيار المجتمع التقليدي والتحول إلى المجتمع الصناعي في ضوء التطور التاريخي العام.
وعلى سبيل المثال فقد حاول فيلسوف الوضعية في فرنسا أوجست كونت في بداية القرن التاسع عشر أن يعكس لنا هذا الموقف بقوله، أننا نجد أنفسنا نعيش في مرحلة اضطراب بدون أية نظرة عامة إلى الماضي، وبدون تقدير سليم للمستقبل، وهما أمران لازمان من أجل فهم الأزمة والاضطراب الذي هو وليد التقدم العام الذي يتحقق.