الأيديولوجيا ومشكلات المنهج في علم الاجتماع:
إذا كانت الأيديولوجيا تعني الالتزام بمجموعة من الأفكار والتصورات المسبقة، فإن منهج العلم يقتضي عدم الارتباط المسبق بتوجيهات أيديولوجية محددة، أو يقتضي الانفصال عن الأفكار المسبقة والتي من شأنها أن تؤثر على رؤية الإنسان للظاهرة موضع البحث.
ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد في العلم أي نوع من العاطفة أو الارتباط أو الالتزام، إذ كيف نفسر ما يحدث للبعض من تكريس جهدهم البحث العلمي؟ ولكننا يجب أن نميز في هذا الصدد بين الالتزام الأيديولوجي والالتزام العلمي، فالالتزام العلمي هو في جوهره التزام مهني باتباع الأخلاق العلمية وأصول المنهج العلمي الموضوعي في الاستقصاء والبحث، وليس التزاماً مسبقاً بمضمون المعلومات التي سوف يسهم بها للعالم أو الباحث في تراكم المعرفة الإنسانية.
وعلى الرغم من أي باحث علمي يعلم مسبقاً بعدم وجود ما يطلق عليه النهائية العلمية، وأن ما يقدمه اليوم من معلومات أو نظريات تستغرق نشاطه خلال حياته بأكملها، قد يحذ مستقبلاً من دائرة المعلومات العملية الصحيحة نتيجة لما قد تسفر عنه الأبحاث المستقبلة من نتائج تكذبها، فإن هذا لا يبرر على الإطلاق تقديم آراء أو نظريات منحازة أو غير محققة علمياً.
ويشير الباحث ريس إلى أن الملتزم أيديولوجياً يؤمن بفكرة أو بسلسلة من الأفكار التي تتعدى الواقع الموجود بالفعل، وغالباً ما يكون هدفه هو إحداث تحولات في الحياة أو في الواقع الاجتماعي نفسه، كذلك فإن معلوماته يكون لها معنى هذا المعنى مناقضاً لما يكشف عنه البحث العلمي المحايد في الواقع الاجتماعي.
وعلى العكس من ذلك تماماً فإننا نجد أن العالم لا يلتزم بأفكار مسبقة، ولكن بتسجيل الواقع الاجتماعي الموضوعي من خلال الملاحظة والمقارنة والأبحاث الميدانية الواقعية فمعلوماته لا تتجاوز الواقع القائم، ولكنها تستمد منه إمبيريقياً.
دراسة الواقع الاجتماعي بأسلوب موضوعي:
وكثيراً ما يقال بأنه يمكن دراسة الواقع الاجتماعي بأسلوب موضوعي، وأنه يمكن أن يكون هناك نظام علمي لدراسة بناء المجتمع ونظمه وما يسوده من علاقات اجتماعية وقيم ومعتقدات والتزامات قيمية وأيديولوجية بين فئاته وطبقاته المختلفة، بل وما يسده من صراعات أيديولوجية وقيمية واقتصادية وسياسية، ويمكن أن يتحقق ذلك إذا ما تخلى الباحث عن الالتزام بأية أفكار أو توجيهات قيمية مسبقة.