يعتبر علماء الاجتماع الأوائل أن الإشارات وعمليات الاتصال في السيميائية عبارة عن مجموعة مغلقة ومكتفية ذاتيًا من الإشارات في العالم الخارجي والعالم المادي وعلى ما يبدو تحدث عملية اتصال لأخذها، كما أنها تكشف من خلال عملية الاتصال على أسرارها الخفية، وقد تصور العالم دو سوسور الإشارات وعمليات الاتصال في السيميائية على إنها استخراج للدلالات من داخل المجال اللامحدود للإمكانيات السيميائية.
الإشارات وعمليات الاتصال في السيميائية
اختار علماء الاجتماع تمامًا استخدام التوافق والتمثيل بين الإشارات وعمليات الاتصال في السيميائية لسببين:
أولاً، يولد موقف الفكرة ميلًا إلى تصور علامة كنوع من الوكيل الثابت الذي يقف في مقابل شيء ثابت بنفس القدر، وهو الإشارة، ولا يمكن للعلامة كوكيل أن تقوم بشكل صحيح بدورها المتمثل في أن تصبح باستمرار إشارات أخرى، على طول تدفق السيميائية، ومع كل إنشاء اتصال جديد أصبحت العلامة فرقًا دائمًا، ولقد أصبحت علامة جديدة وليس مجرد نفس العلامة التي تقف لنفس الشيء أو الحدث.
وفي الوقت نفسه مع كل إنشاء اتصال جديد، وعلى الرغم من أن العلامة أصبحت الآن شيئًا مختلفًا عما كانت عليه، إلا إنها تحتوي على نفسها كتتبع داخل نفسها، إذن فالعلامة هي إشارة لعملية اتصال ولكن من منظور آخر، فهي ليست كما كانت.
ثانياً، يميل موقف الفكرة إلى توليد تأثير ضمني على وظيفة الإشارة باعتبارها فورية وليست وسيطة، فخلال حياة تشارلز بيرس عمل على تطوير فكرة الدور الوسيط للإشارة، لأنه كان يعتقد إنه لا توجد آلية فورية لعملية الإشارة التي يمكن أن يتم أدراكها هنا والآن وفي هذا الصدد كان تشارلز بيرس يتماشى مع حجة جاك دريدا ضد أسطورة الوجود، وينكر مفهوم الوساطة، وتم صنع وأخذ للإشارات والأشياء الخاصة بكل منها كما هي هنا والآن لا يتم أدراك ولا تصور العالم الثقافي تمامًا كما هو ولكن كما كان في لحظة ماضية.
وبالتالي على النقيض من العلامات التي تدافع عن الأشياء أو تشير إليها أو تمثلها، فإن الحديث بشكل صحيح أكثر، فإنها تترابط وتتفاعل معها، وتتشابك الإشارات وتتفاعل مع العلامات الأخرى بنفس الطريقة التي تترابط بها وتتفاعل مع معانيها ومع صانعيها ومتخذيها.
ولا توجد أولويات عنيدة هنا ولا تسلسل هرمي للقيم بل بالأحرى، عملية اتصال من العلامات التي تتحول إلى إشارات أخرى، ولإشارات تأخذ مكإنها بين العلامات، وللإشارات بما في ذلك نفسها من خلال أقفاصها الخاصة.
على الرغم من أن علماء الاجتماع يعترفون بأن هناك أبتعاد عن الحرف في مصطلحات تشارلز بيرس، إلا أنهم لا يتخلون عن روح نظرية الإشارات الخاصة به، فلقد منح تشارلز بيرس العلامة بتعريفها الأكثر عمومية على إنها شيء يشير إلى ويمثل شيئًا لشخص ما كعامل سيميائي أو بشري في بعض النواحي أو القدرات.
ومع ذلك من أجل تجنب استحضار الصور والأفكار التي تذكر بالأمجاد القديمة والأحلام المتلاشية للغة باعتبارها صورة للعالم، والعقل باعتباره مرآة الطبيعة، والمراسلات المخلصة بين شخصين بين الإشارات والأشياء، تخلص من الوقوف والإشارة والتمثيل بالكامل، وإن كلمات السر هي عمليات الاتصال والاعتماد المتبادل والترابط والتفاعل بين العلامات.
الجانب التواصلي للغة في السيميائية
في الواقع أطلق باختين فوليشينوف نقدًا لاذعًا للغة والإشارة على النحو المحدد في التقاليد الشكلية الدوسوسورية، ضد النظرية الدوسوسورية للعلامة كجزء من نظام تجريدي ميت، ويجادل باختين فوليشينوف بأن الحياة المادية للعلامة لا تنبثق من العالم المادي.
بل من الممارسة الفعلية في الحياة الاجتماعية اليومية، ويتمرد باختين بلا كلل ضد فكرة النظام ذاتها، من خلال تسليط الضوء على العمليات التاريخية الديناميكية للتوتر والصراع، ويتجاهل الأحادية التي يُفترض بسذاجة إنها تقيم في لغة دو سوسور، ويستبدلها بتعدد التكافؤ المناسب للإفراج المشروط، ويؤكد أن الكلام يعني ضمنيًا اتصالات أخرى في التفاعل الحواري.
وهذا الجانب التواصلي للغة أكده فون همبولت، وكذلك من قبل بعض معاصري باختين فوليشينوف، وكارل بوهلر وإميل بنفينست، لكن عند باختين فوليشينوف تصبح الحوارية هي الأسمى، ويسعى إلى الحد الأدنى من التجانس السيميائي، ويؤكد على التنوع، والمصطلحان تغاير اللسان وتعدد الأصوات يشهدان على هوسه لوصف ما لا يمكن وصفه.
ويسعى باختين فوليشينوف إلى تقويض ادعاء المؤلف الأحادي الذي ينتج نصًا خالد وموحّد ومستقل، ويكشف النص عن نفسه على إنه مؤقت ومتعدد الأصوات وموضع تاريخي، تستلزم وجهة النظر هذه تفاعلًا مستمرًا بين الذات والآخر والذي يتكون من الناحية شبه الطبيعية من نفس الوسائط الدالة وأهمها اللغة.
وهذا تطور معقد في فكرة الترابط، كما إنه يستدعي تشارلز بيرس، الذي تتكون علامته الثلاثية من ممثل وموضوع ومفسر، ويتم تفسير جميع العلامات من حيث العلامات الأخرى، وتلك المتعلقة بالآخرين، وإلى ما لا نهاية، وبالمثل فإن الكائن المرتبط بالإشارة وهو كائن سيميائي بدلاً من كائن حقيقي يصبح في حد ذاته علامة أخرى للعلاقة المتبادلة.
مما يؤدي إلى سلسلة لا حصر لها من العلاقات المتبادلة، كل منها يترابط مع ما وراءه، علأوة على ذلك كما هو الحال مع باختين فوليشينوف، كل التفكير بالضرورة هو علامة، ولا يمكن اعتبار أي فكرة مكتفية ذاتيًا أو مؤكدة ذاتيًا، فكل الأفكار تتطلب بالضرورة أن يوضحها الآخرون في سلسلة لا تنتهي.
وإلى حد ما في هذا السياق تصور ميشيل ريفاتير الجانب التواصلي للغة في السيميائية على إنه تمثيلي تلقائي وعلائقي بين النص، ويحدد القارئ من خلال التعرف على النص البيني في النص الصفات التي تجعله عملاً فنياً، وبعبارة أخرى ووفقًا لتخصيص ميشيل ريفاتير لمصطلحات تشارلز بيرس فيما يتعلق بمفهومه للإشارة.
فإن الجانب التواصلي للغة أو الممثل هو جزء من النص يُنظر إليه على إنه جزء من شبكة التناص، والمعنى الذي ينقله النص عند قراءته يعتمد على قدرته على تحقيق العلاقات بينه وبين النصوص الأخرى وربما نطاق جميع النصوص، لكن نموذج ريفاتيري لا يستلزم ارتباطًا عشوائيًا، ويفرض هيكل النص قيودًا على النص البيني، ولكلاهما اختلافات في نفس الموضوع الهيكلي.
وبالنسبة لعلماء السيميائية الأوائل فإن النص عبارة عن مجموعة مغلقة ومكتفية ذاتيًا من العلامات في الخارج على ما يبدو لأخذها، لكنها تكشف فقط على مضض أسرارها الخفية، وتصور رولان بارت المتأخر القراءة على إنها صخب نرجسي واستخراج من داخل المجال اللامحدود للإمكانيات النصية لكل ما يناسب تخيل القارئ، ويجذب نص كريستيفا القارئ إلى الداخل.
ثم يهاجم بشراسة مما يؤدي إلى تغيير وجهات النظر وأنماط السلوك، ويعد نص باختين الحواري بمباراة سجال لفظية بين المؤلف والقارئ، ويوجه نص القارئ برفق عبر غابة الإشارات إلى نهاية محددة نسبيًا.