الاتجاهات الأنثربولوجية في دراسة الثقافة والشخصية

اقرأ في هذا المقال


الاتجاهات الأنثربولوجية في دراسة الثقافة والشخصية:

اشتهر كافة علماء الأنثربولوجيا في الفترة الأخيرة بدراسة العلاقة بين الثقافة والشخصية، ووجد هذا الاهتمام تعاوناً مع علم الاجتماع. كما عرفت تجاوباً من بعض علماء النفس والأنثروبولوجيا النفسية عالمياً والثقافة والشخصية، وأخذ هذا الاصطلاح ينتشر ويزداد الاهتمام ببحث موضوعاته.

العلاقات بين الثقافة والشخصية سواء كانت للفرد أو للجماعات تتميز بكونها ذات طوابع مؤكدة ومتينة، وهي علاقة تكاملية تنبني على أساس التأثير الثقافي، بحيث لا يمكن الحكم عليها بأن الثقافة هي من أبرز الأمور التي تؤثر على الشخصية، كما لا يمكن اعتبار الشخصية تأثيرياً بأنها منتوج متاح للثقافة، ولكن لكل واحدة منهما دوراً في الثقافة بمقادير متفاوتة.

وبشكل عام، فقد برزت مجموعة من الاتجاهات الأنثربولوجية التي اهتمت بدراسة الروابط بين الثقافة والشخصية على النحو الآتي:

الاتجاه المفترض يكون عبارة عن بناء الشخصية الأساسية يُعرف أبراهام كاردينر الشخصية الأساسية بأنّها تعمل على بناء الشخصية التي تبين وتوضح النظام السلوكي، والفكري الذي يشترك فيه مجموعة من الأفراد.

وتتغير الشخصية الرئيسية من حضارة إلى أخرى بتغير النظم الرئيسية السائدة في تلك الحضارة، وظهر الاتجاه المشروط في دراسة الشخصية الأساسية على يد كل من لينتون وكاردينر في أواخر 1930.

وفي الحقيقة أن المصطلح الرئيسي الذي تأسس عليه الاتجاه المشروط في الثقافة والشخصية هو نظرية فرويد، بعد أن قام عليها أبراهام كاردينر ورالف لينتون تعديلات سطحية لم يكن لها تأثير كبير في تغيير جوهر نظرية فرويد في التحليل النفسي، وأطلق على نسقه النظري اسم الشخصية المشروطة أو بناء الشخصية الأساسية.

وقد عمل كل من لينتون وكاردينر ببحوثات مختلفة لتوضيح أن الشخصية هي نتاج الثقافة، حيث تمد الثقافة الفرد بالمادة الخام التي يصنع من خاللها حياته، فالمحددات البيولوجية ال تحدد وحدها نمط الشخصية، كما أن الصفات السيكولوجية ال تشكل وحدها الشخصية، إنما تتكون الشخصية بتفاعل كل من المورثات البيولوجية والقدرات السيكولوجية مع البيئة التي يعيش فيها الفرد.

وقد فرق لينتون بين نوعين من أنواع الشخصية: النوع الأساسي للشخصية، وهو يميز بعض الأفراد في المجتمع، ويتمثل هذا النوع الرئيس في مجموعة القيم والعادات والاتجاهات العامة. أما الشكل الثاني فيتمثل في شخصيات اجتماعية واحدة المركز، وهي إلى جانب الشكل الرئيس للشخصية، وهم الأشخاص الذين يشغلون مركزاً، فمثلاً في المجتمع يقومون بأداء عدة أدوار متشابهة، ويطبع هذا الأداء شخصياتهم بسمات مشتركة.

في أي مجتمع يوجد تنوع بين شخصيات النساء وشخصيات الرجال، وبين شخصيات صغار السن بين شخصيات البالغين والشيوخ، كما نلاحظ تشابها الأطباء وما إلى ذلك من المهن. وقد اقترح لينتون ما يسمى بـما يلي:

الشخصية المنوالية حيث يقصد بصفة أن المنوالية متغيراً ما يتصف بأعلى تكرار في توزيع ما، إذ أنه مفهوم إحصائي يشير إلى نمط الشخصية المنوالية الشخصية الذي يخرج بأكثر عدد من التكرارات بين مختلف أنماط الشخصية في مجتمع واحد. ولذلك يطبق مفهوم على أي منهج يحدد الشخصية المميزة ألي جماعة ثقافية عن الشخصية المنوالية طريق الميل المركزي ألي توزيع تكراري معين. ويؤكد لينتون أن مصطلح الشخصية المنوالية يتنوع ويختلف عن التكوين الثقافي لكاردينر، على اعتبار أن الشخصية المنوالية يمكن أن تصاغ مباشرة وبطريقة موضوعية، عن طريق دراسة تكرارات تشكيلات الشخصية المختلفة بين أعضاء المجتمع، فهو مصطلح يركز على الجوانب الكمية. في حين نجد أن البناء الرئيسي للشخصية يركز على الكيفية.

وقد تكون هناك صعوبة أمام الدارسين في هذه الساحة بسبب الدمج بين مصطلحي المجتمع والثقافة، فالمجتمع عبارة عن منظمة من الأشخاص، بينما الثقافة مجموعة مرتبة من أشكال السلوك.

وكما أن كل شخص لديه القدرة أن يعبر على جزء من الثقافة، ولكنه لا يستطيع أن يعبر عن الثقافة كلها، كما يصعب عليه أن يلم بجميع الأشكال الثقافية للمجتمع الذي يسكن فيه، بينما مجموع الأشخاص الذي ينتظمون في المجتمع، يمكنهم وهم مجتمعون إدراك وممارسة الثقافة كلها.

وأوضح العالم رالف لينتون أن الثقافة الحقيقية تتألف من المجموع الكلي للسلوك الثقافي، الذي يتضمن استجابات أعضاء المجتمع في المواقف الخاصة الطبيعية، وحتى إذا ما اختلف الأفراد فيما بينهم، إلا أنهم يستمرون في توافقهم مع نمط الثقافة الحقيقي. ولذلك فإن معظم التجارب المبكرة للأفراد تستمد من سلوك الأشخاص الآخرين من ذوي التجارب السابقة، وعلى أساس هذه الخبرات تنمو نماذج السلوك.


شارك المقالة: