الاتجاه نحو التحرر من المسؤولية الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


الاتجاه نحو التحرر من المسؤولية الاجتماعية:

وجهت إلى المسؤولية الاجتماعية انتقادات كثيرة من أنصار النمط التقليدي ﻷيديولوجية الصناعة، ولعل أهم نقطة تركزت عليها هذه الانتقادات تتعلق باحتمال تضخم سلطة المشروعات الصناعية، مما يحمل معه آثار سيئة على المجتمع الأمريكي كله بصفة عامة، وعلى الصناعة الأمريكية بصفة خاصة، وهذا يجعل من الأصوب عدم قبول المسؤولية الاجتماعية بمفهومها وأهدافها، على أن تركز المشروعات الصناعية على رسالتها التقليدية وتترك المسائل الاجتماعية لمن يتخصص فيها، وأن تكتفي بدعم القوة الاقتصادية للمجتمع كله بما يتيح له مواجهة مشكلاته الاجتماعية.

ومن الباحثين المدافعين عن هذا الاتجاه تيودور ليفت، الذي أشار في دراسة له إلى أن المفهوم الحديث للمسؤولية الاجتماعية لا يعني تخلي رجل الصناعة عن طبيعة أو انهيار مبادئه المتمثلة في مصالحه الخاصة، وقد يبدو الوضع على عكس ذلك، حيث يقصد بهذه المسؤولية الاجتماعية عمر الرأسمالية الأمريكية، غير أن الخطورة ليست هنا، وإنما تكمن الخطورة في أن الناس تؤمن بما تردده كثيراً، ثم يؤثر إيمانها على تصرفاتها، وهذا ما يحدث الآن بالنسبة للمسؤولية الاجتماعية، حيث أصبح الناس أكثر أيماناً بها، وهذا الإيمان يمكن أن يؤدي إلى تغيرات ضخمة في المجتمع، ولكنها تغيرات سوف تؤدي إلى وضع أسوأ.

المسؤولية الاجتماعية عند تيودور ليفت في علم الاجتماع:

ويشرح تيودور ليفت رأيه بقوله، إذا كانت مهمة المشروع الصناعي أن يحقق مستويات أعلى من الربح مما يحقق له الحياة كمشروع اقتصادي، فإن ما يهدد المشروع الصناعي ليس فقط تضاؤل الربح، وإنما أيضاً يهدد تركيز السلطة في الدولة، لأنها تحرم المشروعات الصناعية من المناخ السياسي والاجتماعي الصالح لتنفسها بحرمانها من الحرية الشخصية والديمقراطية السياسية والمنافسة المفتوحة وتنوع الاختصاصات وتعاونها، وكذلك الحال لو أن السلطة تركزت في المشروعات الصناعية.

ويضيف قوله، أن ما يعين المشروعات الصناعية اليوم ليس تركيزها على مصالحها الخاصة متمثلة في تحقيق مستويات أفضل من الربح، وإنما يعيبها عدم تركيزها على هذا الهدف بالقدر الكافي بسبب دخولها إلى اهتمامات أخرى تجعلها لا تعيد تشكيل الجانب الاقتصادي في المجتمع فحسب، ولكنها تعيد تشكيل الجوانب المهنية والاجتماعية والسياسية أيضاً.

وهنا تكمن الخطورة، ذلك لأن تدخلها كقوة اقتصادية ضخمة تفرض اتجاهاتها وفلسفتها على مجالات أخرى غير اقتصادية تتصل بحياة الجماهير والمجتمع كله، سوف يجعل تشكيل المجتمع يخضع لجماعة مهنية واحدة أو ﻷيديولوجية واحدة، وإذا اعتقدت المشروعات الصناعية أن ذلك سوف يحقق لها الربح المتزايد على المدى الطويل وأن مصالحها الخاصة ترتبط بذبك ارتباطاً جوهرياً، فإن الوضع سوف يسير من سيء إلى أسوأ، ﻷنها سوف تركز أكثر على تدخلها الضار بالفرد والمجتمع، بل الضار بها ذاتياً بسبب ما قد يحدث في المجتمع من ردود فعل عنيفة.

ويأتي تيودور ليفت إلى القول بأن المشروعات الصناعية إذا أرادت أن تضمن لنفسها الحياة الآمنة المستقرة، فإن عليها أن تمتنع عن كل ما يدعوا إلى تدخل الدولة في شؤونها، إن مشكلات المجتمع ليست من اختصاصها وإنما هي من اختصاص الحكومة، أما المهمة الأساسية للمشروع الصناعي فهي تحقيق الربح، ولذلك فإن على كل من الحكومة والمشروع الصناعي أن يتحمل مسؤولية الخاصة، بدون أن يتدخل أحدهما في شؤون الآخر.

وبذلك يعود هذا الباحث إلى مفهوم المسؤولية الاجتماعية في النمط التقلدي ﻷيديولوجية الصناعة، ذلك المفهوم الذي كان يقوم على أساس أن في تحقيق المصالح الذاتية للمشروعات الصناعية تحقيقاً لمصالح المجتمع المتمثلة في زيادة قوته الاقتصادية، وهذا هو كل مضمون المسؤولية الاجتماعية لهذه المشروعات الصناعية هنا، ويتجاهل هذا الباحث كل الظروف والتغيرات التي حدثت في المجتمع ودعت إلى ظهور أنماط أخرى كالنمط الإداري والنمط الاجتماعي بهدف جعل هذا النمط التقليدي أكثر مرونة واستجابة وحيوية.

إنه من شدة حرصه على الرأسمالية الأمريكية التقليدية يخيف نفسه ويخيف مواطنيه معه من احتمالات لم تحدث رغم مرور ما يقارب على نصف قرن منذ بداية الاتجاه الاجتماعي للمشروعات الصناعية ممثلاً فيما تضمنه مفهوم المسؤولية الاجتماعية في النمط الإداري ﻷيديولوجية الصناعة، وقد يكون العذر الذي نلتمسه لهذا الباحث أنه عبر عن رأيه بعد مرور سنوات قليلة على بداية الممارسة الفعلية للمسؤولية الاجتماعية بشكل متزايد منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، فجاءت رؤيته محدودة.

ولكن ما العذر الذي نلتمسه لباحث آخر كتب رأيه بعد مرور وقت كافٍ على تزايد الممارسة الفعلية للمسؤولية الاجتماعية، إلا أنه تأثر بالنتائج السلبية للتطبيق العملي، وهذا الباحث هو جلبرت بيرك الذي كتب رأيه في دراسة له نشرها سنة 1973، مؤكداً على نفس ما انتهى إليه تيودور ليفت ولكن من زاوية أخرى.

المصدر: مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.محاضرات في تصميم البحوث، سعيد فرح.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد سيد أحمد.أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.


شارك المقالة: