الاتجاه نحو المسؤولية الاجتماعية الشاملة

اقرأ في هذا المقال


الاتجاه نحو المسؤولية الاجتماعية الشاملة:

ركز المفهوم النظري الحالي للمسؤولية الاجتماعية على المشروعات الصناعية بأكثر من تركيزه على المنظمات الأخرى، وركز على الآثار المترتبة على عملياتها اتجاه المجتمع المحلي بأكثر من تركيزه على الآثار التي خلفتها الظروف والمتغيرات الاجتماعية، بصفة عامة سواء داخلها أو في مواجهة مجتمعاتها المحلية، كما ركز على الجوانب المادية من هذه الآثار بأكثر من تركيزه على الجوانب المعنوية.

وجاء التطبيق العملي لها لكي يضيق أكثر من مضمونها كماً ونوعاً مع أن طبيعة الظروف التي دعت إليها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها تفرض على مضمونها شمولاً أوسع وأعمق تستطيع به أن تواجه هذه الظروف وتحقق به تلك الأهداف.

وصفة الشمول هنا تعني أن تتحمل كل المنظمات في المجتمع المعاصر نصيبها من المسؤولية الاجتماعية، وتعني أيضاً أن تكون المسؤولية الاجتماعية تجاه الآثار المتخلفة عن كل الظروف والمتغيرات الاجتماعية داخل هذه المنظمات وخارجها، سواء أكانت آثار مادية أو معنوية، بل أن الآثار المعنوية لها أضرار أبلغ لأنها تقع على الإنسان ذاته، وبدونه لا يستطيع المجتمع أن يواجه آثاراً مادية أو معنوية.

والمسؤولية الاجتماعية الشاملة لها ما يؤديها من الفكر والتطبيق، بينما الاتجاه المحدود والمتحرر اقتصرت دعاوي أصحابها على تبريرات فكرية لا تجد لها سنداً من الواقع فمن الناحية الفكرية، نجد أن المشروعات الصناعية لا تستطيع أن تتجاهل الظروف والمتغيرات الاجتماعية المؤثرة عليها سواء داخلها أو خارجها، إنها أشبه بسفن ترسو في الميناء وهي تعلو وتهبط بفعل حركات المد والجزر، فهل يمكن تجاهل تأثير هذه الحركات على استقرارها وثباتها.

كما أن هذه المشروعات الصناعية لا تستطيع تجاهل ضغط الرأي العام وسط الجماهير التي تعاني من آثار هذه الظروف والمتغيرات الاجتماعية، وغنى عن القول أن الرأي العام في المجتمع المعاصر أصبحت له قوة لا يمكن إغفالها، ثم أن هذه المشروعات الصناعية لا تستطيع أن تنكر أن عليها التزاماً اتجاه العاملين فيها والمقيمين في مجتمعاتها المحلية بصفة خاصة واتجاه المجتمع كله بصفة عامة، إنها لا تستطيع أن تعيش لنفسها فقط، فلا تقدم لها ولمجتمعها إلا بالتكافل الاجتماعي.

إن مجمل هذه الأسس الفكرية للمسؤولية الاجتماعية الشاملة، هو أن هذه المشروعات الصناعية أصبحت لا تستطيع أن تعمل في إطار من الحق المقدس، ولكنها كأجزاء في المجتمع ينبغي أن تعيش وتنمو وتزدهر داخل إطار من الصحة العامة للمجتمع كله.

أما من ناحية التطبيق أو الواقع، فقد تبين من نتائج الدراسة التي قام بها هنري البرت، وروبرت باركيت، أن المساهمين في المشروعات  الصناعية التي خضعت لهذه الدراسة لم يكن عندهم أي ميول معاكسة اتجاه تحمل هذه المشروعات لمسؤوليتها الاجتماعية، كما أن هذه المشروعات الصناعية وافقت بنسبة 100% على استمرار الأنشطة التي تمارسها في مجال مسؤوليتها الاجتماعية، كما وافقت بنسبة 65% على التوسع مستقبلاً في هذه الأنشطة.

الأسباب التي قدمتها المسؤولية الاجتماعية لاستمرار المشروعات الصناعية:

1- اعتبارها التزاماً.

2- إن الحاجة إليها لا تنتهي.

3- المسؤولية الاجتماعية جزء من الواجب الوطني.

4- المسؤولية الاجتماعية في صميم مصلحة المجتمعات.

الأنشطة التي تعمل على توسعة المشروعات الصناعية في المستقبل:

1- التوسع لا يمكن تجنبه بسبب توقعات الجماهير وضغط القانون والتنظيمات الحكومية.

2- إن سلامة المجتمع تتطلب تنمية اجتماعية واقتصادية طويلة المدى.

3- إن التوسع سوف يكون ضرورياً لمصلحة المشاريع.

4- التخطيط للاستمرار والتوسع في هذه الأنشطة بما يتناسب مع النمو الاقتصادي للمشاريع.

5- توجد علاقة جوهرية بين الربح والمسؤولية الاجتماعية.

ومهما تكن الدوافع والأسباب التي بررت بها المشروعات الصناعية حرصها على الاستمرار في الممارسة الفعلية لمسؤوليتها الاجتماعية والتوسع فيها مستقبلاً، فإنها ذكرت في الوقت الذي لا يوجد فيه دليل مادي ملموس على وجود علاقة بين أنشطة المسؤولية الاجتماعية وتزايد أرباحها، أي في الوقت الذي لا تشعر فيه بوجود مصلحة ذاتية حقيقية من الاستمرار في هذه الأنشطة والتوسع فيها مستقبلاً.

وهذا يعني أن المسؤولية الاجتماعية، رغم سليبات التجربة العملية، أصبحت جزءاً من رسالتها، بل امتدادها بالنسبة لبعض المشروعات الصناعية على الأقل، وهذا يعني من جهة أخرى، أن المسؤولية الاجتماعية للمشروعات الصناعية وجدت لتبقى.

ولعل ما يؤكد هذا الاستنتاج ويدعمه، ما جاء في نتائج أحد الاستقصاءات، حول موقف الرأي العام من المسؤولية الاجتماعية للمشروعات الصناعية، فقد تبين أن كل سبعة أفراد من بين عشرة أفراد يعتقدون أن المشروعات الصناعية عليها التزاماً بمساعدة المجتمع، حتى ولو كان هذا يعني هبوط أرباحها، كما تبين أن المساهمين في هذه المشروعات الصناعية يعتقدون أن المسؤولية الاجتماعية ينبغي أن يكون لها الأولوية على تزايد الأرباح، ولا شك أن هذه النتائج تؤكد أن المسؤولية الاجتماعية بدأت تضرب جذورها في أعماق المجتمع، وهذا كفيل بأن يضمن لها الاستمرار والازدهار.


شارك المقالة: