الاتصال وعلوم المجتمع في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الاتصال وعلوم المجتمع في علم الاجتماع:

الاتصال عملية تتداخل في كل جوانب الحياة الإنسانية، ومن هنا فإن له وجود بشكل أو آخر في علوم المجتمع فيتداخل معها، وتستفيد من تراثه النظري، ومع تطور العلوم والثورة التكنولوجية أصبحت هناك نماذج جديدة ومعقدة للاتصال وتزايد تأثيرها على الإنسان، الأمر الذي جعل من الاتصال موضوعاً لدراسات علمية ومنهجية، تهدف إلى صياغة النظريات الخاصة به، وكان الهدف من وراء ذلك أن يتحول الاتصال إلى علم له استقلاليته النظرية والمنهجية.

ولكن الصياغات النظرية للاتصال لم تصبح متاحة إلا في القرن العشرين تحت تأثير الثورة التكنولوجية المذخلة في وسائل الاتصال، وما أحدثته من نتائج وتأثيرات عميقة في الثقافة والاتجاهات والأنساق الاجتماعية لشعوب العالم.

هذه التطورات وآثارها أصبحت بحاجة إلى مزيد من الدراسات العملية وتوظيف المناهج وطرق البحث والنظريات وقد أتاح ذلك كله الفرصة لتحديد المفهومات الخاصة بنظريات الاتصال.

ولعل الغموض الذي يكتنف دراسة الاتصال من الناحية المنهجية والنظرية يرجع إلى أنه من الصعب فصل هذا النوع من الدراسات عن غيره، مما يتم في العلوم الأخرى، وذلك في ضوء حالة التداخل والاعتماد المتبادل بين موضوعات وبين دراسات الاتصال.

وقد تطلب ذلك إجراء نوع من التركيب أو التوليف بين مناهج العلوم الإنسانية الأخرى، لكي يتوصل إلى نسق علمي مستقل، ولم تعد دراسات الاتصال جزءاً من الدراسات الاجتماعية الأخرى، خاصة دراسات علم الاجتماع وعلم النفس، والسياسة وغيرها.

وقد كان استقلال علم الاتصال مثاراً لكثير من الجدل، فأنكر عليه البعض هذا الحق قائلين إنه مجموعة من الدراسات التي تدخل في نطاق علوم أخرى، بينما دافع عن ذلك علماء ومتخصصون في المجال الإعلامي، قائلين إن تعدد دراسات الاتصال يمنحه الحق في إقامة نسق علمي خاص به.

وتجدر الإشارة إلى أن الواقع الاجتماعي متعدد الأبعاد، ويختص كل علم من العلوم الاجتماعية بجانب أو بعد من أبعاد هذا الواقع، ولكن ليس معنى ذلك أن أيا منها يستقل عن غيره، لكنه يتداخل معها ويتبادل التأثير والتأثر.

إن هذا الفصل ليس إلا ﻷغراض التحليل وخدمة التعمق والتركيز، ومن هنا فإن اختصاص الاتصال بإطار نظري ومنهجي لا يتناقض مع تعدد جوانب الدراسة فيه، وتداخلها مع مجالات أخرى تدرسها علوم اجتماعية أخرى.

فعلماء الاجتماع: مثلاً ينظرون إلى عملية الاتصال باعتبارها عملية اجتماعية، وأن مؤسسات الاتصال هي مؤسسات اجتماعية بالدرجة الأولى، ولا تفهم إلا بالنظر إليها من منظور اجتماعي، وفي إطار مناخ وظروف اجتماعية معينة.

وبمعنى آخر فإن الاتصال يتم في مجتمع له نظامه ومنظماته، بهدف إنعاش وتدعيم هذا النظام وتلك المؤسسات أي أن الاتصال عملية اجتماعية تنطلق من أسس اجتماعية وذات أهداف اجتماعية، وهي إن كانت تحقق أهدافها من خلال التفاعل الاجتماعي، فإن هذا التفاعل ذو صيغة اجتماعية خالصة.

أما علماء النفس: فإنهم يؤكدون على أن المظاهر السيكولوجية هي الفيصل في عمليات الاتصال، فعمليات مثل الفهم والاستيعاب والتفكير والتركيز وتغير المواقف والاتجاهات والسلوك، هذه كلها عمليات سيكولوجية، وتعبر عن النشاط النفسي للإنسان كما يرون أن الاتصال رغم أنه جماهيري بالدرجة الأولى، إلا أنه لا يحدث نفس الأثر لدى الأشخاص بشكل متساو، أي أن الأثر يتحول إلى شكل فردي أو سيكولوجي، مما يدعم القول بأن علم النفس هو المختص بدراسة عمليات الاتصال من حيث توجهاتها وآثارها المحتملة، وأن أي تعديل في الخطة الاتصالية أو الإعلامية لا يمكن أن يقوم إلا على أساس سليم من دون دراسة متعمقة لنفسية الجماهير أو الجماعات المختلفة التي يتكون منها المجتمع.

ونأتي إلى علم الاقتصاد: فهؤلاء يؤكدون على ضرورة دراسة النظم المالية والاقتصادية التي تسير المؤسسات الاتصالية بمقتضاها، وهم في بحوثهم يربطون بين المنفعة أو العائد من عملية الاتصال، وبين تكلفة هذه العملية كلها، ويقول إن علم الاقتصاد وحده هو الذي يستطيع تقديم البدائل من أجل التشغيل الاقتصادي لعمليات الاتصال وقد ظهر في دراساتهم فرع جديد عرف باقتصاديات الاتصال.

كذلك فإن علماء السياسة: ينظرون للاتصال من زاوية مسؤوليته عن تكوين الرأي العام محلياً ودولياً وإمكانات التأثير في هذا الرأي سلباً أو إيجابياً، ويرون أي الرأي العام هو المحور الرئيسي لعملية الاتصال، وهو محور سياسي بالدرجة الأولى، كذلك فإن الاتصال في هذا المجال يؤثر على التنظيمات السياسية المحلية والعالمية، وعلاقة الدولة برعاياها وعلاقته بغيرها من الدول والمنظمات السياسية، وهذا كله يرتبط من وجهة نظرهم بالمفاهيم  السياسية مثل الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير ونشر المعتقدات السياسية المختلفة.


شارك المقالة: