الانحراف بين العامة والصفوة في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الانحراف بين العامة والصفوة في علم الاجتماع:

على الرغم من تلك الإسهامات القيمة التي قدمتها مدرسة شيكاغو في مجال الكشف عن طبيعة وأسباب بعض نماذج السلوك الانحرافي مثل الجناح، إلا أنه يتضح من دراسات أنصارها التأكيد المستمر على شيوع الانحراف بين أبناء الطبقات الدنيا أو الفقيرة أو المحرومة داخل المجتمع.

وبقول آخر فإنهم يجعلون من الانحراف ظاهرة مرتبطة بالفقر والأحياء المتخلفة والطبقات الدنيا وقد ظهرت بعض الدراسات الموضوعية تعارض هذا الرأي وانتقاداته، ومن أبرز تلك الدراسات، دراسة إدوين سوذر لاند، الذي استطاع أن يحدث ثورة في مجال دراسات السلوك المنحرف.

دراسة إدوين سوذر لاند في السلوك المنحرف:

فقد أوضح سوذر لاند من خلال دراسته بعنوان جرائم الصفوة أو ذوي الياقات البيضاء، التي نشرها سنة 1940، أن الانحراف والإجرام لا يشيع بين أفراد الطبقات الدنيا فحسب، ولكنه ينتشر بنفس القدر بين أفراد الطبقات العليا كذلك استطاع هذا الباحث أن يثبت بالأدلة أن هناك العديد من حالات الانحراف أو خرق القانون الجنائي، تتم داخل أوسط رجال الأعمال والخبراء وذوي الثقافة الرفيعة والذين يتمتعون بسمعه حسنة، والذين يتقلدون مناصب عليا داخل المجتمع.

وأهم الجرائم التي تشيع في هذه الأوساط والتي ناقشها سوذر لاند، هي الاختلاس والريا والاحتيال وسوء التصرف في الموارد المالية والغش في المقاييس وانتهاك بعض القوانين الفدرالية المنظمة للحياة الاجتماعية.

ويؤكد الباحث سوذر لاند أن هذه النماذج السلوكية تعد جرائم بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني، على عكس ما هو شائع أو ما يظنه البعض، فهذه النماذج السلوكية تتعارض تماماً مع نصوص القانون الجنائي وتدرس في علم الإجرام.

ويشير سوذر لاند إلى أن المعيار الحاسم للحكم على سلوك ما، بأنه منحرف أو سوي، هو مدى امتثاله النصوص والقواعد القانونية، ويصبح السلوك إجرامياً إذا ما انتهك نصوص القانون الجنائي للمجتمع.

ويذهب سوذر لاند إلى أن جرائم الصفوة أو ذوي الياقات البيضاء لا تقل أهمية عن جرائم العامة مثل القتل والسرقة والسطو والجرائم الجنسية، بل أن جرائم الصفوة غالباً ما تكون أشد وطأة ﻷنها تسهم في فقد الناس الثقة بمجتمعهم.

والواقع أن الحملة التي بدأها سوذر لاند سنة 1940 في مجال دراسات السلوك المنحرف، تعكس عدم الرضا عن التحديد الضيق لمفهوم السلوك المنحرف في علم الاجتماع الغربي، وقد ساهمت هذه الحملة في توسيع التصور السوسيولوجي أو الاجتماع، تقصر الانحراف على النماذج السلوكية التقليدية كالجريمة والدعارة والإدمان، وإنما اتسع هذا المفهوم ليشمل كافة النماذج السلوكية الانحرافية داخل تنظيمات العمل وفي مجال المرور والنقل والتعاملات المالية.


شارك المقالة: