العلاقة بين الضبط الاجتماعي والقوة في المجتمع في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


العلاقة بين الضبط الاجتماعي والقوة في المجتمع في علم الاجتماع:

في ظل تعدد القيم والمعايير والقواعد يمكن لنا أن نعتمد على مفهوم جديد لتفسير الانتظام أو الامتثال الاجتماعي بدلاً من مفهوم الوحدة المعيارية العامة داخل المجتمع، ويقوم المفهوم الجديد على فكرة القوة وهناك عدة أنواع من القوة داخل المجتمع كالقوة الاقتصادية والقوة السياسية والقوة الدينية والقوة الأخلاقية.

ولا يمكن أن يتساوى جميع أعضاء المجتمع من حيث موقعهم من القوة أو من سلم القوة داخل المجتمع، فهناك بعض الجماعات أو الطبقات التي تستحوذ على مصادر القوة الاقتصادية، كالثروة والملكية والقوة السياسية، وهم من من خلال هذا الاستحواذ يمكنهم فرض تصورهم الخاص عن الامتثال والانحراف على بقية جماعات وطبقات المجتمع.

فصنع وصياغة القواعد القانونية وفرضها داخل المجتمع الأكثر تعقيداً هي في جوهرها عمليات سياسية تستند إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية، فإذا كانت هناك طبقة داخل المجتمع تمسك بمقاليد القوة السياسية اعتماداً على سيطرتها الاقتصادية، فإنها بذلك تستطيع صياغة وفرض القوانين والمعايير المدعمة لمصالح أبناء هذه الطبقة، اعتباراً كل ما يتعارض من هذه المصالح نوعاً من الانحراف، ويحاول بعض الباحثين لقضية الامتثال والانحراف في علم الاجتماع الغربي تجاهل العامل الاقتصادي والطبقي عند مناقشتهم لقضايا الانحراف والامتثال والضبط.

وبدلاً من ذلك نجدهم يتناولون هذه القضايا في ضوء مجموعة من العوامل الأخرى كالعوامل القيمية أو العنصرية، ومثال هذا تحليل بيتر ورسلي للقوة السياسية في أمريكا، حيث يذهب إلى أنه نظراً لسيطرة العنصر الانجلو ساكسوني الأبيض الذي يعتنق الاتجاه البروتستنتي على القوة التشريعية في أمريكا، فإن أعضاء هذه الجماعة الأنثولوجية هم الذين يقومون بصنع وإصدار القرارات السياسية وتحديد القواعد والمعايير في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، وهم بهذا يحددون معايير الاستواء والانحراف كما يقومون بفرضها بطريقة قانونية على مختلف الجماعات الأنثولوجية الأخرى كالزنوج والمكسيك والإيطاليين.

كيف ينظر علماء الاجتماع الغرب في تفسير الانحراف؟

ويميل بعض علماء اجتماع الغرب  إلى تفسير الانحراف كالجناح والجريمة في ظل مثل هذه العوامل، ويشير ورسلي إلى أن كل جماعة إنثولوجية من الجماعات المذكورة لها قواعدها ومعاييرها التي قد تختلف أو تتناقض مع قواعد ومعايير الجماعة ذات البشرة البيضاء، وفي ضوء هذا التحليل يمكننا أن نفهم سبب ارتفاع معدل الانحراف بين أبناء الطبقات الدنيا، ﻷن العنصر الأبيض هو المسيطر اقتصادياً فإنه يستطيع من خلال هذه السيطرة أن يتحكم في القوة السياسية ويوجهها لما يخدم مصالح الطبقة المسيطرة.

وعلى الرغم من صدق القول بوجود مجموعة من القواعد أو المعايير أو القيم العامة داخل أي مجتمع، تحدد بصورة عامة ما هو مقبول وما هو مسموح به وما هو متسامح فيه وما هو مرفوض، أو نحدد ما هو السلوك السوي وما هو السلوك المنحرف، إلا أن القضية لا يمكن فهمها بهذه الصورة المجردة في التطبيق؛ ذلك ﻷن القاعدة الواحدة لا تطبق في الواقع بأسلوب واحد على جميع أعضاء المجتمع بغض النظر عن موقعهم من الثروة والحكم، أو بعيداً عن طبيعة ما يحتلونه من مركز أو مكانة وما يقومون بأدائه من أدوار.

فالقاعدة الواحدة قد تطبق على شخص معين وفي موقف معين بطريقة تختلف عن تطبيقها على شخص آخر أو داخل موقف مختلف، كذلك فإن الهيئة المسؤولة عن تنفيذ القوانين وولائها الطبقية وعلاقتها بالجماعات الأخرى داخل المجتمع، يؤثر على مدى التزامها بالدقة في تطبيق القانون أو القواعد وعلى أسلوب التطبيق.

ويضرب لما ورسلي مثلاً على ذلك بأن عملية تطبيق القوانين يقوم بها مجموعة من الموظفين المنتخبين، ونتيجة لعملية الانتخاب فإنهم يكونون عادة على درجة كبيرة من الحساسية للرأي العام أو جمهور المنتخبين والضغوط السياسية داخل المجتمع.

ولعل هذا هو ما يفسر نشاط هذه الأجهزة في مواجهة بعض أنواع السلوك الانحرافي عندما يثير هذا النشاط سخط الرأي العام، بينما لا تتعرض لهذه الأنشطة عادة وفي أغلب الأحيان طالما أنها لم تؤد إلى استثارة الرأي العام داخل المجتمع.

ويشير بعض الدارسين إلى أن الفهم السوسيولوجي الواسع يختلف عن الفهم القانوني لظاهرة الانحراف، فهناك العديد من ألوان السلوك تعد انحرافية من المنظور السوسيولوجي بينما هي ليست كذلك من المنظور القانوني.

يضاف إلى هذا أنه من الخطأ الاعتماد على الإحصاءات الجنائية عند دراسة ظاهرة الانحراف ﻷن هناك العديد من الجرائم التي ترتكب دون أن يدري عنها القائمون على أمر الضبط القانوني شيئاً.

المصدر: مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.


شارك المقالة: