اقرأ في هذا المقال
- استخدام الملك عبد العزيز لمبدأ الشورى
- تأسيس مجلس الشورى في عهد الملك عبد العزيز
- مبدأ الشورى والنظام السياسي في عهد الملك عبد العزيز
استخدام الملك عبد العزيز لمبدأ الشورى:
تميز الملك عبد العزيز بحس إِسلامي قوياً، كان هو المشجع الأساسي لجميع أعماله العظيمة ولم تكن الشورى غائبةً عن فكر الملك عبد العزيز، والميزة التي تمتع بها الملك عن باقي حكام المسلمين في عصره، أنّ أمر الشورى بقيت إِسلامية في أصلها، فلم تندمج عند الملك بالأنظمة الغربية التي سادت في البلاد الإِسلامية الأخرى.
لقد كانت كلمة ” الديمقراطية ” في كثير من البلاد الإِسلامية ولدى حكامها وقادتها وذوي الرأي فيها كلمة رائجة ومنتشرة، فكان حظها من التطبيق الفعلي، ولكنها في المملكة لم تكن على ذلك القدر من الانتشار والرواج. قد كانت الشورى هي الأصل الذي تمسك به الملك عبد العزيز دون أن يبحث عن بديل، ولا شك أن فكر الملك لم يتجه في أي قاعدة من قواعد الحكم في المملكة إِلى الاستمداد من غير الكتاب، والسنة.
لقد ورد ذكر الشورى في القرآن الكريم في العديد من الآيات، كما وردت أحاديث تدل على عمل الرسول صل الله عليه وسلم بمقتضى الشورى وحثه على العمل بها كما في غزوة بدر وقصة خروجه إِلى غزوة أُحد. وليس المجال هنا للتحدث عن الشورى باعتبارها أساساً من أسس الحكم في الإسلام، يتميز عن سائر النظم التي ابتدعها البشر، وإِنما الحديث عن الشورى في عهد الملك عبد العزيز.
لقد كانت شخصية الملك وصفاتهه مساعدةً لكي يقوم في العمل في حكم الشورى منذ بداية إِمارته وسلطانه وملكه. كان الملك أقرب ما يكون إلى الاستعانة في مشورة أعوانه والمقربين له من عماله وأحرص ما يكون على إِقامة العدل بين الناس. ومن كانت هذه الصفات، فإِن الشورى عنده تعد عوناً على الخير، وطريقاً إِلى الصح.
ولذلك أقام الملك عبد العزيز ملكه على مبدأ الشورى، حتى قبل أن تقوم بذلك مؤسسات وهيئات. وحينما تولى الأمر في الحجاز اختار أشخاصاً من ذوي الدين والسمعة الطيبة؛ ليؤلف منهم مجلساً استشارياً سنة ١٣٤٤ هجري الموافق ١٩٢٥ميلادي أطلق عليه المجلس الاستشاري برئاسة نائبه الأمير فيصل ( الملك فيصل رحمه االله) وهو المجلس الذي تعدل اسمه فيما بعد إِلى مجلس الشورى سنة ١٣٤٥ هجري ١٩٢٦ ميلادي.
تأسيس مجلس الشورى في عهد الملك عبد العزيز:
قبل أن يؤسس مجلس الشورى وقبل أن يتم تتحدد مهامه كان في عهد الملك يتم بالعمل على المشورة التي يطلبها الإمام من مستشاريه، حيث كون الملك لجاناً لبحث موضوع، أو للتحقيق في ظلامة فردية من أحد رعاياه، وكان الملك كثير الاستشارة للعلماء فيما ينوب من أمور، وكان الملك يجمع ذوي الرأي والمشورة وأهل الحل والعقد في المناسبات المهمة، بل ويغضب الملك إِذا لم يجد في هؤلاء ما يتوقعه من جرأة وصدق في إِبداء الرأي والمشورة. يروي أحد خواص الملك أنه خالف رأي الأغلبية الذين استشارهم الملك فأخذ الملك برأيه ولكنه حين تبين له أن الصواب في رأي أغلبية المجلس، لم يسـتنكف الملك أن يرسل إِلىيهم بالعـدول عن رأيهم الأول.
وقد افتتح الملك عبد العزيز مجلس الشورى عام ١٣٤٩ هجري في دورته الجديدة، وكان المجلس قد تأسس بموجب التعليمات الأساسية للمملكة الصادرة في بداية عام ١٣٤٥ هجري الموافق ١٩٢٦ ميلادي وكان قوام المجلس ثمانية أعضاء ثم ارتفع عدد أعضائه ووسعت اختصاصاته فكان قوامه في عام ١٣٦٩ هجري الموافق ١٩٥٠ ميلادي ثلاثة عشر عضواً ونائبين للرئيس؛ عدا السكرتير والسكرتير المساعد. وقد نبه نائب الملك إِلى اختصاصات امجلس في خطاب الافتتاح: بأنها القيام بما عليه من توجيهات وإقرار ما يلزم لتقدم الأمة ومراقبة ما ينفذ وما لا ينفذ وملاحظة ما تقصر عنه الأنظمة والقرارات وبسط نائب الملك أمام المجلس سياسة الحكومة في مجالات عملها وأنشطتها داخلياً وخارجياً.
مبدأ الشورى والنظام السياسي في عهد الملك عبد العزيز:
كـان الملك عبد العزيز على الرغم بما يتميز به من إصابة بالرأي وعمق في التجربة، فإنه كان يقوم في استشارة أهل الرأي والحكمة والمعرفة ولم يكن تأسيس مجلس الشورى إِلا استجابة لما عين عليه الملك في تناول الأمور العامة، وقد كانت اختصاصات المجلس بحسب الأمر الصادر بإنشائه عديدة ومتنوعة، تشمل مصالح البلاد كلها، فهو ينظر في ميزانية دوائر الحكومة والبلديات والمرافق العامة، ويعطي الترخيص للعمل في المشاريـع الاقتصادية والعمرانية، وينظر في نزع الملكية للمنفعة العامة ويضع الأنظمة، ويقر استخدام الأجانب، وينظر في العقود مع الشركات والتجار لمستلزمات الحكومة، ويميز مقررات مجلس التأديب والصكوك الصادرة من المحاكم التجارية.
ويتفرع عن المجلس لجان عديدة مثل لجنة النظر في الشؤون المالية، ولجنة النظر في الشؤون الإِدارية ولجان أخرى تحددت مهامها. والناظر إِلى المجلس بحسب ما ذكرناه من اختصاصاته ولجانه، يدرك أنه لم يكن مجرد مجلس استشاري، بل كان على الأرجح مجلساً يجمع بين اختصاصات عديدة، بعضها تنفيذي، وبعضها قضائي، فضلاً عن النظر في الأنظمة ومراقبة التنفيذ والأداء الحكومي والإِداري.
وهي اختصاصات واسعة، تتجاوز ما درج عليه العمل في النظم الغربية، وربما يرجع ذلك إِلى أن الملك عبد العزيز كـان يتجـه إِلى الاستمداد من الشرع الإِسلامي- الكتاب الكريم والسنة والنبوية- ولم يلتفت إِلى ما درجت عليه غالب البلاد الإِسلامية فيِ عصره، من النظر إِلى التجارب السياسية في الغرب واعتبارها معياراً للصواب، وقد كان ذلك واضحاً في خطاب افتتاح الملك المجلس الشورى عام ١٣٤٩ هجري (١٩٣٠ ) ميلادي.
فقد ذكر الملك بكل صراحة ووضوح:” لقد أمرت ألا يسن نظام في البلاد، ويجري العمل به، قبل أن يعرض على مجلسكم من قبل النيابة العامة، وتنقحوه بمنتهى حرية الرأي ” ويقول الملك في نفس خطاب الافتتاح: (الضرر كل الضرر في السير على غير الأساس الذي جاء به نبينا محمد ونجد في خطاب افتتاح دورات المجلس عام ١٣٦٧ هـ (١٩٤٨م) و ١٣٦٩هـ (١٩٥٠م). برئاسة نائب الملك، المعاني نفسها التي أشرنا إِليها، والتي تفيد حقيقتين وهما:
أولاهما: أن الإِطار العام في النظام السياسي، وسلطات الدولة كلها، هو الشرع الإِسلامي. وثانيها: أن اختصاصات المجلس، وما ينظر فيه تكفي تماما لتحقيق مبدأ الشورى، وبعض اختصاصاته لا تملكها المجلس التشريعية في النظم السياسية المعاصرة، وفي عصر الملك عبد العزيز رحمه االله مما يؤكد أن المملكة في عهده كانت تستمد أنظمتها، وأحكام مؤسساتها من قواعد الشريعة دون اتباع غيرها أو تقليد سواها من النظم المعاصرة.